إن القروض العامة هي أداة أساسية من أدوات السياسة المالية لما لها من تأثير ملحوظ على توزيع العبء المالي العام بين فئات المجتمع و على مستوى الدخل القومي و نمط توزيعه ، و هي أداة مهمة لتحقيق التناسق و الربط بين السياسة المالية و النقدية نتيجة لآثارها الواضحة على الطلب الفعلي و على كمية النقد المتداول ناهيك عن إسهامها في تمويل الإنفاق الحكومي.
يتوقف الأثر الاقتصادي للقروض العامة على عوامل عدة منها مصدر الأموال المقترضة ، و هنا نميز بين حالتين :
أولاً- الآثار الاقتصادية للقروض العامة الخارجية
الآثار الاقتصادية للقروض العامة الخارجية لها آثار اقتصادية هامة بالأخص على الدولة المقترضة ، تتحدد هذه الآثار بالكيفية التي يتم فيها إنفاق حصيلة هذه القروض .
فالقروض الخارجية يترتب عنها وضع قوة شرائية تحت يد الدولة المقترضة تستعين بها لتقوية أرصدتها من العملات الأجنبية أو لاستخدامها في شراء سلع من الخارج و في الحالتين تؤدي هذه القروض إلى تحسين مركز ميزان مدفوعاتها . قد تكون القروض الخارجية إما سائلة أو على صورة سلع و خدمات توضع تحت تصرف الدولة المقترضة.
فإذا احتفظت بها الدولة في الصورة الأولى أمكن تخليص السوق النقدي من العوامل الانكماشية فيدفع إلى التوسع النقدي، أما إذا استخدمت حصيلة هذه القروض في شراء سلع و خدمات فإن آثارها تختلف تبعا لنوع السلع المستوردة استهلاكية كانت أو إنتاجية.
ففي حال كانت استهلاكية فإنها تزيد من عرض هذه السلع و بالتالي تكون أداة مقاومة لارتفاع الأسعار في الداخل ، و في حال كانت إنتاجية فإنها تمكن من التوسع في الاستثمار و رفع مستوى الدخل و تحقيق التنمية الاقتصادية خصوصا في الدول المتخلفة.
ثانياً- الآثار الاقتصادية للقروض الداخلية
الآثار الاقتصادية للقروض الداخلية يتطلب تحليل الآثار الاقتصادية للقروض الداخلية التمييز فيما إذا كانت هذه القروض حقيقة أم صورية.
فالقروض الداخلية الحقيقية تعني تحويل بعض الموارد الحقيقية ( القوة الشرائية الفعلية ، الدخل ) إجباراً أو اختياراً إلى القطاع الحكومي.
أما القروض الداخلية الصورية تعني قيام الدولة بالاقتراض من وحدات الجهاز المصرفي التي تقوم بخلق مفتعل لقوة شرائية جديدة غير حقيقية يترتب عليها زيادة كمية النقود و هذه القروض لا تختلف في حقيقتها عن قيام الدولة بإصدار نقدي جديد.
1- الآثار الاقتصادية للقروض الحقيقية :
بترتب عليها تحويل جانب من الاستثمارات الخاصة إلى الاستثمارات العامة ، حيث تقل رؤوس الأموال المتجهة إلى الاستثمارات الخاصة مما يترتب عليه رفع سعر الفائدة من ناحية و التأثير على حجم هذه الاستثمارات من ناحية أخرى بما ينطوي عليه من اتجاه انكماشي يحد من قيام الدولة بتوجيه إنفاقها العام الذي يمول عن طريق القروض إلى النحو الذي يزيد من معدل الدخل القومي.
يعتبر القرض العام الحقيقي أداة لا تقل فعالية عن الضرائب للحد من التضخم لما يؤدي إليه هذا القرض من امتصاص للزيادة في القوة الشرائية دون تأثير على أصحاب الدخول الثابتة.
2- الآثار الاقتصادية للقروض العامة الصورية :
يؤدي الاقتراض من الجهاز المصرفي إلى قيام البنك المركزي بإصدار نقد يوازي قيمة هذا القرض الذي سيردي حجمه الأولي إلى زيادة الاحتياطيات لدى البنوك التجارية التي تمكنها من إحداث زيادات متتالية في حجم الائتمان ( خلق الودائع ).
لا تختلف آثار هذه القروض عن الآثار التضخمية لزيادة كمية النقود و يتوقف مدى عمق هذه الآثار على ظروف النشاط الاقتصادي ففي حالة كان مستوى العمالة كامل و مستوى الجهاز الإنتاجي كان يتميز بدرجة كافية من المرونة تتمثل هذه الآثار في انخفاض سعر الفائدة بحيث يمكن استخدام هذا الانخفاض في تشجيع الاستثمار و بالتالي زيادة الدخل القومي.
أما في الحالة التي تكون فيها عناصر الإنتاج قد حققت التشغيل الكامل فإن مثل هذه القروض سوف تؤدي إلى رفع المستوى العام للأسعار بشكل مستمر و ستؤدي إلى إدخال الاقتصاد الوطني في سلسلة متصلة من الموجات التضخمية.
آثار القروض العامة في الاستهلاك و الادخار
يندفع الأفراد إلى زيادة الادخار و التقليل من الميل للاستهلاك نتيجة امتلاكهم لسندات الدين العام و حجم المزايا التي يحققونها من هذه السندات.
قد يتحقق ذلك بصورة أوضح عندما تقوم الدولة بالتقنين من الاستهلاك بل قد يزداد الميل للادخار ليس عن رضا الأفراد بل عن طريق الإلزام عندما تصدر الدولة قرضا إجباريا.
و من ناحية أخرى يلاحظ أن إصدار بعد القروض العامة قد يزيد الميل للاستهلاك . و يحدث هذا الأمر في أوقات التضخم حيث يشعر الأفراد أن اكتتابهم في القروض العامة سوف يخفض القوة الشرائية للنقود التي اكتتبوا بها فيتجهون إلى شراء السلع الاستهلاكية بدلا من شراء السندات العامة.
آثار القروض العامة في إعادة توزيع الدخل القومي
يتوقف أثر القروض على إعادة توزيع الدخل القومي على الأمور التالية :1- مصدر تمويل فوائد القرض العام : إذا كان المصدر هو الضرائب النسبية أو الضرائب غير المباشرة فهذا يعني أن الطبقات الفقيرة هي من سيتحمل العبء الأكبر ، أما إذا كان مصدر التمويل هو الضرائب التصاعدية فهذا يعني أن الطبقات الغنية هي التي تتحمل غالبية العبء.
2- الجهة التي تقبض الفوائد : إذا كانت أغلب السندات مملوكة من قبل الأغنياء فإن المستفيد هو الطبقة الغنية و هنا يكون أثر القروض في إعادة توزيع الدخل القومي يتجه نحو زيادة التفاوت بين الطبقات ، و العكس صحيح إذا كانت أغلبية السندات مملوكة من قبل الفقراء.
3- التنظيم الفني للقرض : إن إصدار السندات بقيمة مرتفعة يعني أن الأغنياء هم من يكتتبون بها و من ثم فإن إعادة التوزيع تتجه إلى زيادة التباين و الاختلاف بين طبقات المجتمع ، و العكس صحيح و خصوصا في حال اقترن ذلك بنظام ضريبي يقوم على الضرائب التصاعدية أساسا.