قام عدد كبير من الاقتصاديين بدراسة أسباب التضخم نظرا لأهمية هذه الظاهرة في الحياة الاقتصادية و لإيجاد المعالجة الصحيحة لها ، لكن التباين بين اقتصاديات الدول المتقدمة والدول المتخلفة قد أدى لظهور خلافات في تحديد الأسباب الحقيقية للتضخم. ومهما يكن من تباين فقد ظهرت عدة وجهات نظر وصلت إلى حالة النظرية التي تفسر أسباب التضخم لذلك أطلق عليها بعض الكتاب والمفكرين (نظرية) وليس سبباً، فأصبحت لدينا نظريات تفسر التضخم.
أولا : نظرية جذب الطلب
يوضح أنصار هذه النظرية بأن أي زيادة في الطلب دون زيادة مماثلة من جانب العرض سوف تؤدي لزيادة المستوى العام للأسعار.
تحدث بهذه النظرية كل من الاقتصادي السويدي فيكسل والاقتصادي الإنكليزي كينز ووضح كل منهما أسباب زيادة الطلب فقد يزداد الطلب نتيجة:
1 ـ زيادة طلب الأفراد على الاستثمار أو الاستهلاك (من أموال مكتنزة).
2 ـ زيادة حجم الإنفاق الحكومي وتمويل هذا الإنفاق عن طريق العجز (أي بزيادة الإصدار النقدي).
3 ـ التوسع في حجم القروض المصرفية للأغراض الاستهلاكية أو الاستثمارية.
إن زيادة الإنفاق الكلي في سوق السلع والخدمات أو سوق عناصر الإنتاج سوف تؤدي لارتفاع الأرباح للمنتجين مما يدفعهم لزيادة الأجور وزيادة أسعار المواد الأولية فتظهر سلسلة من الارتفاعات في الأسعار.
ثانيا : نظرية زيادة التكاليف
اهتم الكلاسيك بزيادة العرض ودراسة تكاليف الإنتاج أكثر من اهتمامهم بجانب الطلب، لذلك كانت تحليلاتهم أحادية الجانب واعتمدوا على مقولات غير صحيحة (العرض يخلق الطلب الموازي له) وقرروا مسبقاً بأن كل منتج أو مستثمر سوف يعيد تشغيل أمواله من جديد وسوف يحصل التشغيل الكامل بشكل تلقائي، فإذا بقي الطلب على ما هو عليه دون زيادة فهل تؤدي زيادة التكاليف لارتفاع الأسعار؟
ما حصل في الدول الصناعية المتقدمة أن المنظمين والمستثمرين قد حددوا أرباحاً لا يمكن التنازل عنها، وحددت نقابات العمال أجوراً معينة وطالبت بالوصول إليها وقامت المظاهرات والإضرابات الأمر الذي دفع المنتجين لقبول ذلك والهروب إلى الأمام برفع الأسعار لتعويض التكاليف والحفاظ على نسب الأرباح العالية.
يحمل البرجوازيون العمال مسؤولية زيادة الأسعار لأنهم طالبوا بزيادة الأجور، لكن أصحاب المصانع والتجار والفعاليات الاقتصادية قد زادوا أرباحهم بحجة زيادة الأجور بمعدلات تفوق أحياناً زيادة الأجور والربح هو الذي يتحمل مسؤولية زيادة معدلات التضخم وليس الأجر.
لقد عانت أوربا والولايات المتحدة منذ عام 1960 وحتى عام 1985 من هذه التراتبية والصراع بين الأجور والأرباح فكلما ازدادت الأسعار يطالب العمال ثانية بزيادة الأجور لتعويض النقص الحاصل في دخولهم والاحتكارات كانت تزيد الأجور ثم تزيد بعدها الأسعار بمعدلات أكبر إلى أن وصل التضخم في أمريكا وبريطانيا بحدود 10 ـ 15% في عام 1980.
لقد دخلت الاقتصاديات الأوروبية في دورة لولبية (الأجر ـ السعر) وتحدث فليبس عام 1958 عن هذه العلاقة وقال: بأن زيادة الأجور يجب أن ترتبط بالإنتاجية، فإذا ازدادت الإنتاجية يجب زيادة الأجور وهنا لا تتغير التكاليف وتبقى الأسعار ثابتة، لكن زيادة الأجور دون زيادة الإنتاجية سوف تؤدي لارتفاع التكاليف وسوف تزداد معدلات البطالة ورغم ذلك سوف يحصل التضخم.
أي حسب منحني فليبس يتحمل العمال مسؤولية التضخم والبطالة معاً أو يجب عليهم الحفاظ على معدل أجر ثابت مع معدل بطالة 2,5% كحالة طبيعية وتستقر عندها الأسعار.
لقد اعتمد السياسيون على تحليل فليبس لكي يحافظوا على أجور متدنية، لكن أعوام السبعينيات قد شهدت تطوراً مغايراً حيث ازدادت الأجور والأرباح والبطالة والتضخم معاً.
وأخيراً فإن العلاقة بين الأجور والتكلفة صحيحة، لكن زيادة الأرباح قد تتجاوز كثيراً حصة الأجور من التكلفة، وحتى يستمر العمال بالعمل، والاستهلاك مع أسرهم ينبغي حصولهم على أجور تكفي لمستوى المعيشة المتطورة، ولذلك كانت الأجور تزداد حتى لو ازداد التضخم، وذلك بهدف المحافظة على مستوى معيشة متطور.