هناك العديد من الآراء والنظريات حول بداية تشكل وقيام الدول وسنقتصر في هذا البحث على أهم هذه النظريات.
الأصل الإلهي للدولة
الدولة ظاهرة طبيعية تحتمها القوانين الإلهية وكما أنّ المجتمع حدث حتمي مستقل عن الإرادة البشرية كذلك الدولة فهي نتيجة قانون لا رادّ له، ولا يستطيع بنو البشر الخروج عليه بدون الوقوع في أخطار حالة وحشية لا تتفق مع الطبيعة الإنسانية.
وهذا القانون يلزم الأفراد بقبول شكل الحياة الاجتماعية الذي يسمى الدولة وهو يحكم جميع التغيرات الطارئة عليها ويحدد اختصاصها ووظائفها فالدولة إذن ثمرة عقل مدبر وإرادة حكيمة تسمو على إرادة البشر.
الأصل التعاقدي للدولة
ذهب البعض إلى أن أصل الدولة تعاقدي بمعنى أن الأفراد وجدوا في حالة فطرية أحراراً يتمتعون بحقوق طبيعية لاحدود لها وانتقلوا إلى الحياة الاجتماعية والسياسية بإرادتهم بمقتضى عقد صريح أو ضمني فأنشؤوا المجتمع والدولة معاً.
ويردّ على هذه النظرية بأنّ الحالة الفطرية التي يتحدثون عنها لم توجد في الواقع قط كما لم يوجد الفرد منعزلاً في مرحلة ما من تاريخه الطويل،وهي إلى ذلك تقيم الجماعة والدولة على أساس فردي بحت يناقض الواقع التاريخي ولا يتماشى مع مقتضيات تطور الجماعات السياسية ونموّها وحتى لو سلمنا جدلاً بوجود عقد فإنّ هذا العقد لا يمكن أن يكون إلا مجموعة من التزامات فردية ولا يستطيع أيّ فرد أن يلتزم تجاه مجموع الأفراد لأنّ الجماعة افتراضاً لم تتكون بعد.
وأخيراً فإنّ الرابطة الاجتماعية لا تنشأ من تلاقي إجراءات منفردة بل تنبثق عن التسليم بهدف مشترك والسعي لبلوغه.
الدولة ثمرة التطور الطبيعي
معظم النظريات رأت أنّ الدولة ظاهرة طبيعية ونتيجة عفوية للقوى الاجتماعية التي أسهمت في صهر الجماعة وغرائز التجمع التي تدفع بني البشر إلى العيش جماعة إلا أن المفكرين يختلفون فيما بينهم عندما يحددون العامل الذي كان له الدور الرئيسي في نشوء الدولة وقد ظهرت عدة نظريات في هذا الصدد أهمها:
العائلة أصل الدولة
يرى البعض أن الأسرة الأبوية أي مجموعة من ذوي القربى تحسب فيها رابطة النسب بالنسبة للأب ويملك الأب فيها السلطة العليا هي أصل الدولة.
فقد تكاثرت هذه الأسرة ونمت حتى أصبحت أسراً عديدة تألّقت منها مدينة واستمرت في خضوعها لسلطة ربّ الأسرة فالعائلة أصل الأمة وسلطة الأب على أسرته أصل الحاكم في الدولة.
يؤيّد هذه النظرية أنّ الأديان السماوية تجمع على أنّ آدم وحواء هما أصل الجنس البشري وأنّ الشعور القومي الذي يوجد بين أفراد الجماعة السياسية أشبه بالشعور العائلي الذي يجمع أفراد الأسرة الواحدة كما أنّ سلطة الأب على أفراد أسرته تبدو كأنها النواة الطبيعية لسلطة الحاكم، وينقضها أنّ الأسرة ليست سابقةً على الجماعة بل إنها لم توجد إلا بوجود الجماعة ونتيجة لتنظيمها.
نظرية العنف
حاول العديد من المؤلفين نسب نشوء الدولة إلى صراع نشأ في مرحلة معينة من تاريخ الشعوب ويؤيّد هذه النظرية المؤرخون وعلماء الاجتماع، والدولة ليست إلا الكيان الاجتماعي الذي يهدف إلى استمرار سيطرة الغالب ضد الثورات في الداخل والهجمات الخارجية، فالدولة من حيث نشوؤها ومن حيث طبيعتها في المراحل الأولى لوجودها لا تعدو أن تكون تنظيماً اجتماعياً تفرضه جماعة غالبة على أخرى مغلوبة تنظيمياً يقتصر هدفه على تأمين استمرار سيطرة الجماعة الغالبة بحماية سلطتها من خطر الثورات الداخلية والهجمات الخارجية، وهذه السيطرة لم يكن لهاوهدف إلّا استغلال الغالب اقتصادياً للمغلوب.
ونظرية العنف تستهدف تفسير نشوء الدول الأصلية وتنطلق بالتالي على الدول التي يتحقق فيها للمرة الأولى التمايز الاجتماعي في جماعة معينة أمّا الدول الأكثر تعقيداً لاسيما الدول الحديثة فلا تعدو أن تكون ثمرة سلسلة من الفتوحات قامت بها الدول ضد بعضها بعضاً والتنظيم الحديث هو ثمرة اندماج متزايد بين الشعوب تمّ خلال تطور تاريخي طويل.
النظرية الماركسية
تطبِّق هذه النظرية، النظرية الداروينية وتؤكّد على العامل الاقتصادي،وتقول بأنّ الدولة هي منتوج المجتمع عند درجة معينة من تطوره فهي إفصاح عن واقع هذا المجتمع الذي وقع في تناقضات مع ذاته لا يمكن حلّها وقد انقسم إلى طبقات اقتصادية هو عاجز عن الخلاص منها وحتى لا تقوم هذه الطبقات المتنافرة بالتهام بعضها بعضاً كان لابد من وجود قوة منبثقة عن المجتمع تضع نفسها فوقه وتنفصل عنه أكثر فأكثر هذه القوة هي الدولة.