لا شك أن النقل الجماعي كان له التأثير الكبير على نماذج النمو المديني في القرن التاسع عشر. في البدء كان النموذج المسيطر للتنقل هو المشي، وكانت المساحات الجغرافية للمدن محدودة بالمسافة التي يستطيع الإنسان أن يمشيها، وكانت الأحصنة معروفة، ولكن غالبية الناس لم تستطع امتلاكها.
وعند وصول النقل الجماعي، ومع الاستمرار في إدخال التعديلات والتطويرات على مركباته، مما سمح بتوسع المدن أكثر وأكثر، وامتدت هذه التوسعات على طول خطوط النقل الجماعي، فمثلاً في شيكاغو كان هناك ١٢ خط حديدي، ونمت البلدات عند محطات هذه الخطوط، وبقيت المساحات بين الخطوط في المزارع، حيث لم تشهد النمو العمراني بسبب قابلية الوصول الضعيفة، وكانت العلاقة واضحة بين معدل إنشاء الأبنية السكنية الجديدة، وكمية خدمات النقل الجماعي.
أهم خطوط النقل الجماعي هي الخطوط القطرية، التي تتلاقى في المركز، وبهذا يتوضح أن النقل الجماعي يقوي مركز المدينة، فالناس الذين كانوا يذهبون مثلاً للتسوق في المناطق المجاورة، بوجود هذه الخطوط سيذهبون إلى مراكز التسوق في وسط المدينة. كان تأثير النقل الجماعي واضحاً عند بروز العوائق الطبيعية، والحاجة لعبورها.
الدليل واضح أن النقل الجماعي، جذب استعمال للأرض هام جداً على طول خطوط النقل الجماعي، وحول المحطات. هناك اعتقادات عند بعض الدارسين في مجال النقل، بأن النقل الجماعي هو الخاسر في مجال المنافسة مع السيارات، وخطوط النقل الجماعي الجديدة، لا تملك الأثر الكبير على الشكل المديني، كما كانت منذ قرن ونصف، ولكن وفق الملاحظ في كثير من المدن العربية التي تعاني من الكثافات السكانية، بسبب هجرة سكان الريف نحو المدينة، لأهميتها التجارية والصناعية، مما أدى إلى حدوث تدهور شديد انعكس سلباً على تخطيطها العمراني وعلى حركة المرور والنقل فيها.
ومع هذا النمو السكاني والتوسع العمراني السريع للمدن، ظهرت الحاجة إلى إيجاد الحلول في قضية المرور والنقل الجماعي، فقام الدارسون في مجال النقل بوضع بعض الشروط التي اعتبروها ضرورية حتى يكون للنقل الجماعي تأثيره على استعمال الأرض وهذه الشروط هي كالتالي:
1. السياسات الحكومية المحلية المشجعة للتطور عند المحطات متضمنة إعادة الهيكلة لزيادة الكثافة وخاصة بالقرب من محطات السكك الحديدية وعلى طول خطوط الباصات.
2. في حال كانت المدينة راكدة، فإن تأثير النقل الجماعي سيكون قليل، لذلك يجب أن يكون هناك عمل للتطور من خلال النمو السكاني وعدد الوظائف.
3. إمكانية التوسع بقرب المحطات (مساحات خالية، أماكن ذات أبنية قديمة، والتي يمكن هدمها بتكلفة منخفضة).
4. يجب أن تتمتع المنطقة بسمعة جيدة، وأن تكون فيزيائياً منطقة جذب، ويجب أن يتم اختيار مواقع المحطات الكبرى للنقل الجماعي، بحيث تجذب نمو النشاطات والفعاليات المختلفة.
5. من أكبر فوائد السيارات خدمة (من الباب إلى الباب) ولكن مع تكامل وسائل النقل الجماعي مع بعضها البعض، يمكن رفع كفاءة خدمة النقل الجماعي بشكل عام ومجاراتها للسيارات ويجب عدم سيطرة نوع واحد من النقل الجماعي مما يؤدي إلى نتائج سلبية على الأنواع الأخرى، بل يجب أن تتدخل الحكومة أو المنظمين لتحقيق تكامل النقل الجماعي.
6. مراعاة المشاريع العمرانية الجديدة لخطوط النقل الجماعي ومحطاته، خاصة فيما يتعلق بالمشاريع الكبيرة كالمجمعات التجارية أو السكنية، وإعطاء الأولوية لها.
7. تصميم مواقف خاصة للسيارات وذلك بجانب محطات السكك الحديدية.
8. إن إغفال دور النقل الجماعي، في العملية التخطيطية، وعدم إعطاؤه الدور الحقيقي أثناء التخطيط للمدينة، يجلب عليها العديد من المشاكل والتي تتعقد تدريجياً، لذلك يجب إعطاء قطاع النقل الجماعي دوره ضمن منظومة التخطيط العمراني من خلال نظرة أكثر شمولية.