مفهوم التربية وطبيعتها :
ثمّة تعريفات كثيرة للتربية ، تعددت بتعدد الباحثين والمهتمين بشؤون التربية.
فمن الناحية اللغوية : تعود كلمة ( تربية ) إلى الجذر اللغوي الثلاثي (ر + ب + ا = ربا , يربو ) ومعناها زاد ونما وكبر.
وربّى الولد :رعاه وهذّبه .
فالتربية بهذا المعنى تشمل التنمية والترعرع والرعاية والإصلاح .
أما من الناحية الاصطلاحية : فثّمة تعريفات متعددة ، اختص كل منها بمعنى من معاني تكوين الشخصية الإنسانية ، وذلك بحسب الخلفية الثقافية والفلسفية التي ينطلق منها هذا التعريف أو ذاك . فقد رأى الفيلسوف الشهير أفلاطون أن التربية هي : ” إيصال الجسم والنفس إلى جمال وكمال ممكن “.
بينما رأى أرسطو أن التربية : ” هي إعداد العقل للتعليم كما تعد الأرض للبذار “.
أما كونفوشيوس فيلسوف الصين العظيم ، فيقول : إن الطبيعة هي ما منحتنا إياه الآلهة ، والسير بمقتضى شروط الطبيعة هو السير في صراط الواجب ، وإدارة هذا الصراط وتنظيمه ، هو القصد من التربية والتعليم على حماية عقله من الوقوع في الخطأ ، وقلبه من الوقوع في الرذيلة. ومن هذا المنطلق ، يرى جان جاك روسو : أن من واجب التربية أن تعمل على تهيئة الفرص الإنسانية كي ينمو الطفل على طبيعته انطلاقاً من ميوله واهتماماته والعمل.
ومن التعريفات السابقة ، نستطيع أن نصل إلى تعريف إجرائي من حيث أنّ التربية عملية اجتماعية ، وهو :
” التربية هي نقل الكائن البشري من حالته البيولوجيّة إلى الحالة الاجتماعية ، بحيث تصبح له شخصيّة اجتماعيّة تعبّر عن الجوهر الحقيقي للإنسان “.
أسس التربية :
يشير مصطلح ” أسس التربية ” إلى مجموعة من المسلّمات أو الفرضيات المبدئية ، التي تشكل البناء الهيكلي للتربية ، والذي يشكل بدوره المرتكزات النفسية والفلسفية والثقافية والاجتماعية ، التي تستند إليها التربية .
الأساس النفسي للتربية :
بما أن الوظيفة الأساسية للتربية هي إعداد الإنسان / الفرد للحياة الاجتماعية ، فعليها أن تستوعب التغيرات التي تحصل في نمو الأطفال والناشئة . ومن هنا أخذ علم النفس التربوي دوره في توجيه التربية نحو أفضل الأساليب للتعامل مع الأجيال الناشئة ، من خلال الدمج بين معطيات علم النفس ومتطلبات العملية التربوية ، حيث تستطيع التربية أن تبني أهدافها العامة على أسس سليمة وفق قيم سلوكية وخبرات علمية .
الأساس الاجتماعي للتربية :
التربية تقوم على الفرد ، والفرد عنصر أساسي في المجتمع ، لا يمكن النظر إلى أحدهما بمعزل عن الآخر . وتظهر فاعلية التنمية التربوية التي تهتم بتعديل أنماط سلوك الأفراد إلى مستويات تتلاءم مع أهداف المجتمع وفلسفته الحياتية.
وكلما تغيرت الأهداف الاجتماعية تغيرت الأهداف التربوية ، فالتربية تعتمد النظام الاجتماعي إطاراً مرجعياً في منطلقاتها و أهدافها.
الأساس الثقافي للتربية :
الثقافة تعني الصقل والإصلاح والتقويم ، والتربية تعني التهذيب والإصلاح والرعاية وهذا يعني أن ثمة علاقة تفاعلية تكاملية بينهما .
وتتجلى هذه العلاقة في الجانبين الآتيين :
ـ تقوم التربية على عاملين أساسيين هما : الوليد البشري مع عجزه وجهله من ناحية ، والثقافة التي تسود الحياة الاجتماعية التي يولد فيها من ناحية أخرى.
ومن الضروري أن ينمو هذا الوليد البشري لكي يصبح فرداً يقوم بدوره الفعال كعضو في جماعته ، وهذا النمو يتم باكتساب ثقافة الجماعة التي يعيش فيها .
الأساس الفلسفي للتربية :
تستند التربية إلى فلسفة تربوية عامة لكي تنجز مهماتها ، حيث يقول جون ديوي : إن كل تربية لا تبنى على نظرية فلسفية واضحة لا يكتب لها النجاح ، ويقول أيضاً : إن كل نظرية فلسفية لا تؤدي إلى تبديل في العمل التربوي ، لا بد أن تكون مصطنعة .
الأساس الاقتصادي للتربية :
ترجع الأصول الاقتصادية للتربية ، إلى العلاقة بين التعليم والعمل ويؤكد علماء الاجتماع والاقتصاد وجود علاقات متبادلة بين الاقتصاد والتربية ، من منطلق أن للتربية وظيفة تعليمية / اقتصادية ، إذ لا يمكن أن يعمل أي اقتصاد متقدم من دون تدفقات ثابتة و أساسية من الأفراد المؤهلين تأهيلاً عالياً ، وهذا يتطلب أن يكون لدى الاقتصاد ما يمكنه من الاستثمار في رأس المال التعليمي ، في المدارس والكليات والجامعات وهذا الترابط الوثيق يؤكد أن العملية التعليمية لم تعد نوعاً من الخدمة التي تقدم للناس بمعزل عن العملية الاقتصادية ، وإنما أصبح ينظر إليها على انها استثمار تستهدف الفرد والمجتمع معاً .