لعلّ النظرة المتأنية إلى الطلبة في مراحلهم النمائية المختلفة على تقارب مستوياتهم التحصيلية تحتّم على المهتمين بتشكيل سلوك الإنسان وتسليحه بالمعرفة أن ينظروا إلى أولئك الطلبة بوصفهم الغراس التي تحتاج إلى الأشكال المتنوعة من الرعاية التي يؤمل أن تهيئهم للتكيف الناجح في ميادين الحياة العملية حيث تنتظر مشاركاتهم الجادة النشطة وإسهاماتهم الواعية المعتمدة على ما نما من قدراتهم وإمكاناتهم وعلى الزاد الذي تشكّل لدى كل منهم إبان مراحل تكوينه.
ويبدو أنّ مثل هذه النظرة تكتسب عمقاً وشمولية وامتداداً مستقبلياً عندما تتخصص بأولئك الذين تميزوا على رفاقهم وتفوقوا في مستوياتهم التحصيلية فصنفوا على أساس ذلك التفوق في عداد الطلبة المتفوقين.
وفي ضوء هذا التصنيف تطلّعت أنظار الأهل والمعلمين والمؤسسة التربوية إلى هذه الكوكبة متوسمة فيها الخير العميم الذي يبشّر بربيع زاه يجني ثماره الأفراد والأمة في عصر يمجّد التفوق ويعلي مكانة المتفوقين.
ولقد جذبت فكرة التفوق المهتمين بتربية الإنسان وتجويد نتاجاته فانصرفوا إلى رعاية هذه الفكرة والبحث عن مقومات نموها وعن كيفية تطبيقها تمهيداً لاستثمارها في تطوير الحياة بميادينها المختلفة.
وفي محاولة لتحديد المقصود بالتفوق حدد باسو التفوق العقلي بالقدرة على الامتياز بالتحصيل وتزامن تحديده مع النشاط الذي باشرته الجمعية القومية للدراسات التربوية في الولايات المتحدة الأمريكية في ميدان التفوق عام 1958
والذي ذهب إلى أن المتفوق العقلي هو من يظهر امتيازاً مستمراً في أدائه في أي مجال له قيمة.
وهذا يعني أن المستوى التحصيلي المتميز مؤشر واضح لما يتوقع أن يكون عليه صاحب هذا التحصيل في المستقبل.
رعاية المتفوقين
ترتبط رعاية المتفوقين تاريخياً بإنشاء مدرسة هنتر الابتدائية 1901 التابعة لكلية هنتر بوصفها أول مدرسة للمتفوقين عقلياً في الولايات المتحدة الأمريكية ثم خطت الولايات المتحدة الأمريكية خطوات عملية في مجال رعاية المتفوقين في ستينيات القرن العشرين إبان السباق المحموم مع الاتحاد السوفييتي في مجال الفضاء وإطلاق الأقمار الصناعية ثم حظيت فكرة التفوق العقلي بالقبول وشاع الاتجاه إلى رعاية المتفوقين.
ولا يخفى أن هذه الرعاية للفئة المتميزة في المجتمع تعدّ شكلاً من أشكال الاستثمار الناجح والمحمود على المدى الطويل.
وتعد هذه الرعاية من جانب آخر تطبيقاً عملياً لمبدأ ديمقراطية التعليم الذي يؤكّد حق كل فرد في أن يتعلم تعليماً فعالاً يمكّنه من الوصول إلى أقصى نمو تسمح به قدراته وإمكاناته ومثل هذا الحق لا ينتقص من حقوق الطلبة الأقل تميزاً لأنه يتيح للطلبة بمستوياتهم المتنوعة أن يتعلموا التعلم الذي يرقى بما لديهم من قدرات وإمكانات ذاتية إلى أقصى حد من النمو الذي تسمح به تلك القدرات والإمكانات وإذا كان الاهتمام بفكرة التفوق وتشجيع المتفوقين من المؤشرات الإيجابية لتفعيل تنمية الموارد البشرية في عصر بات ينزع إلى إعلاء شأن هذه الفكرة وتكريم من يجسدها فإنّ هذا الاهتمام يبقى في المستوى الذي يتطلب مزيداً من النضج والتكامل على الصعيد العملي التطبيقي لأنّ الحماسة المرتبطة بهذا الاهتمام لازمة لإنضاج الفعل التربوي لكنها غير كافية.
ولعل البيئة بمفهومها المادي والمعنوي ذات أثر واضح في تشكيل أنماط السلوك المتنوعة التي يؤمل أن تظهر لدى المتفوق المنخرط في مناشط تعليمية تعلمية استقيت بوعي من أهداف تربوية واختبرت بعناية فائقة وخططت بدقة ضماناً لتحقيق النمو الشامل المتكامل لطلبة تقع على عواتقهم مهمة متميزة ومرغوب فيها في مستقبل البلد الذي يعتزون بالانتماء إليه.
ملامح معلم المتفوقين
يمكن تحديد بعض صفات معلم المتفوقين بما يلي:
- يرغب في عمله ويجتهد في إتقانه.
- يتقبل سلوكيات طلبته ويتعامل معها بوعي.
- يجتهد في اكتشاف مواهب طلبته ويخلص في تنميتها وتوجيهها بأساليب محببة ومسؤولة.
- يعنى بمظهره.
- يمتاز بروح الدعابة.
- ينطلق في تعامله مع طلبته من معرفة دقيقة بخصائص المرحلة العمرية التي يمرون فيها.
- يوفر مناخاً تربوياً يكفل حق التعليم المتميز للطلبة كلهم.
- يتمكن من مادته العلمية ويتعمق فيها على النحو الذي يدفع طلبته إلى الاقتداء به.
- يتبنى الاتجاه الديمقراطي في تعامله مع الطلبة ومع الآخرين في بيئة المدرسة.
- يوظّف التقنيات الحديثة في عمله.
- يستثمر الوقت بفاعلية عالية في المناشط الصفية وغير الصفية.