يمثل النمو الجنسي للمراهق ساحة تلعب بها العوامل الهامة كلها، والتي تؤثر في الوجود الإنساني فالجنس يرتبط بكل مظاهر جهود الفرد واتجاهاته نحو الآخرين.
الحب بين الجنسين
يغدو أغلب المراهقين على درجة من النضج تمكنهم من معاناة الحب بحلول المراهقة ويبدي العديدون منهم قبل وصولهم إلى سن المراهقة تعلقاً عاطفياً بأشخاص من الجنس المقابل.
ففي المدرسة الابتدائية يكرّس الكثيرون من الصغار أنفسهم لصديق من الجنس الآخر ويقومون بأفعال تقربهم منه وتبقيهم إلى جانبه فيحملون له الهدايا ويسيرون معه إلى المدرسة ومنها.
يندر أن يؤدي التقاء مراهقين وتبادلهما الحب إلى توازي شدة الحب لدى الشريكين وإلى عيشهما حياة سعيدة انطلاقاً من حبهما العارم في المراهقة، فلا تسير أمور الحب بالهناء والسرور نتيجة حبهم.
وتشير الدراسات المتعددة بصدد وقوع المراهق في الحب إلى أن أحدهم لا يقع في الحب مرة واحدة بل عدداً من المرات خلال سنوات المراهقة المبكرة والمتأخرة، تشير أكثر الأدلة إلى التعلق الشديد لعدد من الصبيان بالبنت الواحدة في الفترة الممتدة بين الثالثة عشرة والتاسعة عشرة من العمر،وإن أكثر البنات لا يميزن بين وقوع الفتى في الحب وبين انجذابه إليهن.
ومن الواضح أن من يقع في الحب عدداً من المرات يكون أقل اتزاناً ممن يقع فيه مرة واحدة فقد يكون من ينتقل من حب لآخر يبحث عن حل صعوبات حياته بالانشغال العاطفي المتجدد الذي ينسيه مصاعبه ويغطّي عجزه عن حلها بضرب من السيطرة المزيفة مع الأحبة وقد يمتلك من يتعلق بحب واحد الكثير من التأكيد الذاتي والهدوء الداخلي يجعله يلتصق بحبه.
ولا يمكن الحكم على تعدد وقوع المراهق بالحب أو وحدانية ذلك الحب، فالمراهق يملك تحريضاً قوياً لكي يحب و يجد شخصاً من جنس مقابل لجنسه يشاركه عواطفه ويروي معه حاجته الجنسية وحاجاته النفسية الأخرى التي تختلف من فرد لآخر وفي الفرد الواحد من وقت لآخر ويفسّر اختلاف الحاجات النفسية التي يرويها التعلق بحب الشريك من فرد لآخر أو من مناسبة لأخرى نزوع بعض المراهقين لتغيير حبهم بين آن وآخر أو للوقوع بأكثر من حب مرة واحدة وذلك بفعل ظاهرة الموازنة النفسية والموازنة النفسية نزعة في الكائن البشري تراقب تغيرات الوسط الذي تعيش فيه عضوية الكائن فتحرك تلك العضوية لإحداث تغيرات تقابل تغيرات الوسط.
العناصر العاطفية في الوقوع في الحب
تتألف معاناة الوقوع في الحب من مركب يشمل عدداً من المحرضات ونظيره من العواطف فيشمل الوقوع في الحب قمة الشهوة وأعماق الألم وتكون تجربة الحب ميداناً تلعب فيه مختلف العواطف الإنسانية بدرجات متفاوتة بحسب اختلاف الظروف المحيطة بتجربة الحب نفسها، فيتذبذب المحب بين المرح المبهج والمخاوف المعقدة والأسى المحزن فما أن تدفع الطبيعة والبيئة الاجتماعية الإنسان في منعطف الحب حتى تتحرك الطاقات العاطفية كلها في الكائن البشري إلى أقصى مداها فتجر الكائنين المذكورين في علاقة فيها الدفء والقرب والشهوة وتنتهي بالإنجاب وتربية الصغار في جو من الحب أيضاً.
لا ينكر أن في المحب المراهق رغبة واضحة أو خبيئة للاتصال الجنسي إلا أن الشهوة الجنسية تختلف جذرياً من علاقة لأخرى وتحتل مكاناً ثانوياً جداً إذا ما قورنت بالمحرضات الأخرى العاملة في معاناة الحب يلاحظ الكثير من الباحثين أن ما يجذب الفتى إلى فتاته ويبقى قريباً منها ليس الفعل الجنسي بل رغبته في أن يكون قريباً منها وأن يتحدث إليها وأن يحدق بها وأن يبادلها أفكاره ومطامحه.
ونحن نرى أن الحب قد يعني أشياء متباينة لشخصيات أشخاص مختلفين لكننا نلاحظ أن في الحب هدفاً أساسياً يتمثل بالقرب من الحبيب والاستئثار بوجوده ومشاركته الأفكار والمطامح والآمال.
وفي القرب والاستئثار والمشاركة ضرب من الراحة والرغبة بالوقاية والسعادة فالحب إذاً ضرب من التوجه نحو الآخر الذي يجب أن يؤخذ مميزاً للحب الحقيقي من التعلق العضوي الآني للقلب يحمل التوجه نحو الآخر معاني التبادلية العاطفية والتقبل الدافئ المحبوب من جانب الحبيب إذ تشكل ظاهرة تقبل الآخر وقوله العمود الفقري لعلاقة التوجه نحو الآخر وليس الفعل الجنسي الذي يمثّل قمة الاحتكاك العضوي سوى دليل على تقبل شريكي الحياة بعضهما بعضاً دونما شروط أو قيود.
طبيعة الوقوع في الحب وشذوذه
قد يعني الوقوع في الحب تحقيق الذات أو قد تمتد جذوره إلى حاجات عصابية مرضية لدى المحب وليس سهلاً على الأهل أن يقيموا حدوداً تفرق الحب السوي من نظيره الشاذ وعليهم الاكتفاء بالإشارة إلى بعض الملامح التي تفيد في تميز أحدهما عن الآخر.
يكون الحب مرضياً إن لم يكن فعلاً عفوياً لتبادل الأخذ والعطاء أو كان وسيلة للهرب من مشكلات شخصية يعانيها المحب فمن يعاني إحساساً عميقاً بالقصور يندفع بعمى لالتقاط شخص يحبه ويعيد له الاعتبار الذاتي الضائع فالمحاولة العشوائية لالتقاط أي حبيب دليل على شذوذ الحب وشخصية من يحب ولا يختلف الأمر لدى من يعاني ضرباً من الكآبة المزمنة إذ يعجز عن الراحة إن لم ينتقل من نصر لآخر يحقق فيه الغلبة على شريك ضعيف ينزل به ضروب الأذى كلها ويتركه إلى سواه لتجديد تلذذه بإنزال الأذى بالآخر.
ما هو الحب السوي؟
الحب السوي هو اكتشاف متبادل للذات فهو فرصة للمشاركة في المسؤولية والمرح ويتطلب الوفاء العاطفي ويقوم على تقبل الذات وليس التقبل أن يعمى الواحد عن عيوب الآخر أو يتغاضى عنها بل التقبل يعني رؤية المحبوب كما هو في الواقع دون محاولة لتزيينه.