ربما سمعت عزيزي القارئ بمصطلح الزراعة العضوية الذي تكرر ذكره كثيراً في السنوات الأخيرة الماضية ، و عند التفكير في هذا المصطلح يتبادر إلى ذهننا بأنّ مثل هذا النمط من الزراعة يعتمد على المواد العضوية بشكلٍ رئيسي ، و يكون المنتج النباتي خالٍ تماماً من أيّة مواد كيماوية.
في الحقيقة يوجد طرق عديدة للزراعة منها :
- الزراعة الكيماوية (دون تربة).
- الزراعة التقليدية (حيث يتم زراعة النبات بالتربة مع استخدام الأسمدة الكيماوية و المبيدات).
- الزراعة العضوية( و تسمّى أيضاً بالزراعة المستدامة و النظيفة ولا يتم استعمال المواد الكيماوية فيها).
إنّ استخدام المواد الكيماوية في الزراعة سواءً أكانت بغرض التسميد أو المكافحة كان أساساً لتلوّث التربة الزراعية و المياه السطحية و الجوفية و البيئة بشكلٍ عام ، كما ظهر هذا التلوّث بشكلهِ الأخطر في المنتجات الزراعية الغذائية و العلفية.
اعتمدت الزراعة التقليدية على المساحات الضخمة و المتّسعة بغية تكثيف الإنتاج ، كما تمّ استخدام المخصّبات الصناعية فيها و مبيدات الحشائش و الآفات و الهرمونات على نحوٍ عالٍ بهدف الحصول على أكبر إنتاج ضمن وحدة المساحة المزروعة ، و يتم استعمال الأسمدة الصناعية المخصّصة لهذه الغاية بكثافة عالية لكوننا نستطيع الحصول عليها بيسر من خلال عمليات التصنيع الكيماوي ، كذلك تكون سهلة النقل و رخيصة الثمن مقارنةً بالأسمدة العضوية ، كما أنّ لها تأثير سريع و فعّال في إمداد النباتات بالعناصر المغذية.
على الرغم من كل هذه الإيجابيات للأسمدة الصناعية إلّا أنّ لها تأثيرات سلبية كبيرة على البيئة و الإنسان ، فهي تعمل على تآكل التربة و تدهور خصوبتها و تغيير خواصها الطبيعية ، كما أنّها تسبب تلوّثاً شديداً في المياه الجوفية و المنتجات الغذائية ذات الأصل الزراعي مما يؤدّي إلى تسمّمٍ للإنسان و الحيوان نتيجة تراكم هذه الملوّثات في الجسم مع مرور الوقت.
إن استخدام مثل هذه المواد على نحوٍ طويل سوف يؤدّي بالضرورة إلى تلوّث الترب الزراعية بشكلٍ خطيرٍ، و هذا ما قد يجعلها غير صالحة للزراعة في المستقبل القريب ، حيث يتم فقد المادة العضوية من التربة و تتآكل و هذا سيزيد من خطر الانجراف المائي و الهوائي للتربة ، الأمر الذي سيؤدّي حتماً إلى زيادة احتمالية حدوث التصحّر، و هذا سينعكس بشكلٍ مباشر على الإنتاج الزراعي في العالم أجمع و الذي سيقلّ إلى مستوياته الدنيا نتيجة استمرار تهتّك المواد العضوية الدبالية و تدهور خصوبة الترب.
أما المياه الجوفية و المسطّحات المائية العذبة سوف يكون لها نصيب كبير من هذا التلوّث ، و سنجد أن كميات النترات و الفوسفات مثلاً و غيرها من العناصر الثقيلة في حدودها العليا فيما لو قمنا بالتحليل الكيميائي لعيّنات هذه المياه.
كذلك المنتجات الزراعية سوف تتلقّى الكمية الأكبر من المواد الملوّثة و التي قد تتراكم ضمن أنسجتها الحيّة.
إنّ استعمال المبيدات الكيميائية لن يقضي على الآفات و الحشرات الضارّة فحسب ، بل سيقضي أيضاً على الأعداء الحيوية الطبيعية لمثل هذه الحشرات ، و بالتالي سوف يكون هناك خلل عظيم بالأنظمة البيئة. في حين تعتبر الزراعة العضوية أكثر طرق الزراعة أماناً لكونها تضمن المحافظة على خصوبة الأرض ، و تقلل الأخطار الحادّة للمبيدات و الكيماويات على البيئة و على صحّة الإنسان.
يمكن تعريف نظام الزراعة العضوية بأنّه : نظام إنتاج يتجنّب استخدام الأسمدة الكيميائية و المبيدات و منشّطات النمو و الكائنات الحية المعدّلة وراثياً ، و يعتمد على استخدام مصادر طبيعية في الزراعة و الإنتاج الزراعي ، و يؤدّي هذا النظام إلى توفير إنتاج مُستدام و صحي و خالٍ من المواد و الملوّثات الضارة بصحة الإنسان و الحيوان دون إحداث أضرار بالبيئة ، فهو يعمل على توفير و خلق نظام بيئي مُستدام من خلال المحافظة على تربة خصبة باستمرار.
تجدر الإشارة إلى أنّ تكاليف الإنتاج في مثل هذا النظام العضوي سوف تكون رخيصة ، لأنّه يعتمد و بشكلٍ كبيرٍ على تدوير المخلّفات العضوية المتاحة في المزرعة و إعادة استخدامها مجدّداً في الزراعة وفق مبدأ ” من الأرض و إليها”.