MONA AHMAD
يرتبط الغضب منذ تفجّره في مرحلة الرضاعة بسعي الفرد لإثبات ذاته ويعدّ الغضب من الانفعالات التي تلعب دوراً كبيراً في نمو الشخصية فهو يساعد الفرد على تحقيق مطالبه وتأكيد اهتماماته ولاسيما الاهتمامات المشتركة مع الآخرين.
طبيعة الغضب عند المراهق
هناك عدة اعتبارات تساعد على فهم طبيعة غضب المراهق :
يرتبط غضب المراهق بسعي الإنسان لإثبات ذاته وقد يبدو الغضب سلوكاً شاذاً إلا أنه يستمر مادامت الحياة موجودة في تأدية وظيفة ضرورية تتصل بجهود الفرد ليكون شخصاً فريداً متميزاً عن الآخرين وما من شك أنّ السعي إلى إثبات الذات وتحقيق الاستقلالية يتخذ طابعاً حاداً في المراهقة وهذا ما يجعل المراهق حساساً ومعرضاً أكثر من سواه للغضب والعدوان.
لا يتعرض المراهق لشرارات الغضب المفاجئة التي تتفجر وتهدأ فحسب بل إنه أميل لأن تتشكل لديه اتجاهات تحمل الكثير من رواسب الغضب القديم بصيغة الكراهية المزمنة والحقد وتتجلى اتجاهات الكراهية في حالات التحيّز والتعصّب ومشاعر التحامل على الآخرين كما يمكن لها أن تظهر في استعدادات المراهق لأن يكون شكاكاً بالآخرين وفي افتراضه لسوء نواياهم وخبثهم هذا ولابد من الإشارة الى أن اتجاهات الكراهية لدى المراهق قد تكون مقنعة أحياناً وقد يلجأ إلى مديح أحد المرشحين للمجالس الشعبية ليس حباً به بل كراهية بخصمه.
غالباً ما يخفي المراهق الغضب بعناية فائقة ويظهره بصيغ مموهة لا تتوانى عن استغلال صيغ الحب لتحقيق المآرب والغايات الخاصة ، ويتناول هذا الاعتبار إحدى أهم خصائص الغضب المتمثلة بتوجه الغضب ضد صاحبه وتوجهه ضد الآخرين وليست صفة توجه الغضب ضد الذات إحدى أهم خصائص الغضب فحسب بل أصعبها فهماً على الإطلاق.
تغيرات غضب المراهق
يلزم الأهل لفهم غضب المراهق أن يتعرفوا على الأسباب التي أثارت الغضب المذكور وقد يستلزم الفهم المشار إليه فترة زمنية طويلة هذا مع العلم أنّ سبب الغضب قد يبقى غامضاً حتى مع الاهتمام المتزايد بكل تحركات المراهق.
وعلى أية حال لابد من معرفة الأشياء والشروط الخاصة التي تؤدي مجتمعة أو منفردة الى إثارة الغضب وكذلك الشروط التي تؤدي إلى تحييد الأشياء من حيث إثارتها للغضب.
ويختلف المراهقون اختلافاً كبيراً في استجابتهم للمثيرات الداعية إلى الغضب وقد ينفجر غضب المراهق بسهولة لأمر معين في حين لايغضب الآخرون عادة لهذا الأمر نظراً لأنّ مثيرالغضب أو الظروف المحيطة بهذا المثير ذات صلة وثيقة بأوضاع مؤلمة مرت على المراهق في الماضي ، ومثل هذا المراهق قد يعاني من إحساس دائم بالاضطهاد فيفقد قدرته على السيطرة على ذاته ويعجز عن تحمل أدنى حدّ من الإثارة .
أما إذا أبدى المراهق ما نسميه بالسلوك المضاد مظهراً الهدوء تجاه موقف يتفجر أكثر الناس غاضبين تجاهه فعلينا أن نشك بوجود خطأ نمائي أساسي يعاني منه المراهق ، يجعله يخشى إغضاب الآخرين.
ويزداد الأمر تعقيداً عندما يتسمّر المراهق في مكانه ويصطنع الهدوء والبرود رغم وجود مايجب أن يثير غضبه والمراهق في هذه الحالة يبتلع غضبه ليترسب في أعماقه ويمكن أن تتفجر مشاعر الغضب أحياناً بصورة تعويضية على أشياء مادية لاترتبط ظاهرياً بموضوع الغضب.
الأساليب المموهة للغضب ضد الآخرين
إنّ تدريب الناشئ على قمع غضبه يعد من أهم مقومات التربية إن لم يكن أهمها على الإطلاق ويشير الباحثون إلى أنّ الضغط الذي يلقى بوجه الطفل للسيطرة على غضبه لايقلّ عن الضغط الذي يلقى بوجهه للسيطرة على الرغبات الجنسية وتبعاً لذلك يتعلم المراهق سبلاً وأساليب كثيرة لقمع غضبه منها :
التخيل
غالباً ما يعبّر المراهق عن غضبه بالتخيلات والأحلام النهارية التي تصور شخصاً ما يسير إلى نهايته ليرفع فجأة إلى ذرا النصر بينما يجرف المغضوب نحو الهاوية.
الكراهية المتحولة
عندما لايشعر المراهق بحريته في التعبير عن غضبه بصورة مباشرة ضد الأشخاص أو الأشياء فإنه قد يقلب الأشياء نفسها ويحطمها فالمراهق الذي تغضبه والدته ويخشى أن يرد عليها ينزل غضبه بأي شيء يصادفه فيحطمه.
الكراهية المسقطة
يستخدم المراهق وسائل متعددة لتخفيف الآثار السيئة لمعاناة الغضب ومن بين تلك الوسائل تحويل الكراهية والغضب ورميها خارج الفرد لجعل الآخرين يبدون ظالمين بحيث يبدو غضبه دفاعاً عن النفس ويمثّل هذا الفعل تخلياً عن المسؤولية وإلصاقها بالآخرين.
الشعور بالكآبة
يعبّرالمراهق عن الغضب بالكآبة في كثير من الأحيان وغالباً يبدو المراهق الغاضب مثقلاً بالكآبة فيتكلم كما لو أنه اضطهد من باقي الناس وتتخذ الكآبة صورة الشكوى والتذمر الدائم من المدرسة والجيران أو بعضهم ،أومن الأرضية الاجتماعية للفرد وتؤثر الكآبة على الظواهر الذهنية للمراهق فيصبح المراهق انتقائياً فيما يرى وفيما يتذكر، ويصعب على الأهل تفهم كآبة المراهق هذه أو أن يجدوا لها سبباً واضحاً بينما يعتقد المراهق أنّ لكآبته المزمنة ما يسوغها في الواقع.
وفي جميع الحالات على الأهل تفهّم مشاعر الغضب ومسبباته وطرق التعامل معها في فترة المراهقة لأنها تعتبر من أكثر الفترات تأثيراً على شخصية الإنسان.
