امرؤ القيس هو جندح بن حِجر بن الحارث الكندي وهو شاعر جاهلي من أهم شعراء العرب الجاهليين صاحب المعلّقة الشهيرة (قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل) إحدى المعلقات السبع المكتوبة بماء الذهب والمعلقة على أستار الكعبة في العصر الجاهلي ولد شاعرنا عام 500 ميلادي في نجد في الجزيرة العربية.
وبما أن الديانة الوثنية وعبادة الأصنام كانت منشرة في ذلك الوقت كانتشار الفروسية والشجاعة اكتسب شاعرنا لقبه امرؤ من البسالة والقيس من صنم من أصنام الجاهلية.
أبوه حِجر كان ملكاً من قبيلة كندة حجر هذا كان ملكه على بني أسد بعد أن ضرب ساداتهم بالعصا وأطلق عليهم لقب عبيد العصا فكان متجبراً قاسياً فارضاً للإيتاوات على بني أسد الذين كانوا يضمرون له الحقد والبغضاء.
نشأته وحياته
تربى شاعرنا على حياة الترف والرخاء فأبوه كان الملك المطاع تشرّب حب الشعر من صغره كيف لا وخاله المهلهل الزير سالم بل إنه أخذ من طباع خاله الكثير فقد كان محباً للهو معاقراً للخمر مجالساً للنساء بطلنا لم يأبه للملك أو يطمح له كان جلّ همه الخمر والشعر هذا الأمر أغضب والده الملك وخاصة أن امرؤ القيس كان ينشد الشعر الإباحي في نساء القبيلة وهو ما كان مستهجناً في ذلك الوقت وقد اعتبر امرؤ القيس أول من أنشد هذا النوع من الشعر حاول أبوه ثنيه عن الممشى الذي اتخذه فأرسله لرعاية المواشي ظناً منه أن امرؤ القيس قد ينسى شغفه الشعري إلا أن بطلنا استمر بإنشاد الشعر.
ضاق الحال بالملك بتصرفات ابنه المعيبة ولم يجد حلاً إلا بإرساله إلى عمومته في مسقط رأسه في حضرموت أمضى شاعرنا خمس سنوات في كنف عمومته إلا أنّ حاله لم يتغير بقي معاقراً للخمر ومنشداً للشعر قاضياً وقته مع من يسمون الصعاليك.
لم يرق الحال لعمومة امرؤ القيس فأخذوا يضيقون عليه الخناق حتى رحل عن ديارهم هائماً في بلاد العرب برفقة أصحابه فكانوا يغزون القبائل الصغيرة ليؤمّنوا احتياجاتهم ويحطون رحالهم عند كل غدير طالبين ماءها مستظلين بفيء نخيلها وفي الليل تبدأ جلسات السمر والطرب فكان الليل أحب الأوقات على قلب شاعرنا حيث كان يبث إليه همومه في أبيات شعر منوعة.
في تجواله الكثير تعرّف شاعرنا على الكثير من النساء وأحب الكثير فهو المعروف بعشقه للنساء وبالطبع أنشد ببعضهن أشعاراً غزلية.
بقي امرؤ القيس على هذا المنوال من نمط العيش حتى لمّت به المصيبة التي قلبت حياته رأساً على عقب فحدث أن ثار بنو أسد على بطش وظلم والد امرؤ القيس وقتلوه وعند اختضاره طلب الملك من وزيره ان يجول على أبنائه ويخبرهم بخبر مقتل أبيهم ويطلب منهم الثأر وقال للوزير أن الملك سيؤول إلى الابن الذي لا يجزع من خبر وفاته فجزع الأولاد من خبر مقتل أبيهم حتى وصل الخبر إلى شاعرنا اللعوب الذي كان في مجلس له مع أقرانه المعتادين لمّا وصله الخبر أكمل مجلس لهوه الأخير فطلب الثأر قد أصبح واجباً عليه ومما قال في ذلك المجلس “رحم الله أبي ضيعني صغيراً وحملني دمه كبيراً لا صحو اليوم ولا سكر غداً اليوم خمر وغداً أمر” بعد انتهاء المجلس أقسم امرؤ القيس ألا يذوق شراباً ولا يحلق شعره ولا يقرب النساء حتى يأخذ بثأر أبيه وهو ما حصل.
الثأر ونهاية امرؤ القيس
مضى بطلنا في طريق الثأر فجمع جيشه واستعان بأخواله بنو بكر وتغلب كما أنه طلب العون من قبائل حمير فلبّاه الملك ذي جذن الحميري انطلق امرؤ القيس ومن معه إلى بني أسد فقاتلهم وأثخن فيهم الجرحى والقتلى حتى أخذ بثأر أبيه وذبح قاتله عمرو ابن الأشقر سيد بني أسد.
بعد هذا طلب بنو أسد الصلح من امرؤ القيس وقدّموا له مئة نفر منهم كفدية عن القوم إلا أنّ امرؤ القيس رفض الصلح وهو ما أبعد بنو بكر وبنو تغلب عنه فهم كانوا يبغون الصلح والعودة إلى ديارهم استمر امرؤ القيس مع من بقي معه من الحلفاء في قتال بني أسد ليعيد أمجاد كندة الأمر الذي أثار مخاوف المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة والذي استعان بكسرى ملك الفرس أرسل المنذر يذيع بين القبائل أنه يريد رأس امرؤ القيس مما أثار الخوف في نفوس من بقي مع بطلنا ليتفرقوا عنه.
أمام هذا الواقع هرب امرؤ القيس وأخذ يطوف على القبائل يطلب معونة على جيش المنذر وكسرى إلا أن طلبه قوبل بالرفض فاستمر بتجواله وهروبه ليسمى بالملك الضليل.
تابع امرؤ القيس تجواله حتى وصل إلى اليهودي السموآل بن عادياء والذي كان يعتبر أحد وجهاء تيماء الذي أحسن ضيافة امرؤ القيس وأكرمه بل أكثر من هذا فقد توسط له عند الحارث بن شمر الغساني الذي كان معروفاً بحسن علاقته مع جستنيان الأول قيصر القسطنطينية.
كتب الحارث إلى القيصر الذي طلب بدوره لقاء امرؤ القيس ليستمع منه إلى قصته فيقرر ما إذا كان سيمده بالدعم اللازم أم لا انطلق امرؤ القيس في رحلته إلى القسطنطينية أو ما يعرف ببلاد الأناضول ووصل بعد سفر طويل إلى القسطنطينية فقابل القيصر الذي بدوره أعجب بشخصية امرؤ القيس فأكرم ضيافته وجعله من المقربين منه كما أنه وعد امرؤ القيس بجيش يساعده على استعادة ملك أبيه وبالفعل مضى امرؤ القيس في طريق عودته لاستعادة ملكه إلا أنه لقي حدفه وهو ماض في طريقه حيث أصيب بمرض الجدري فتقرّح جسمه كله ليموت على إثر هذه التقرحات ويكسب لقب أبو القروح لتطوى بذلك صفحة حياة واحد من أشهر شعراء الجاهلية وأكثرهم إثارة للجدل.