تطورت الصناعة, واتسعت مساحات الأراضي المزروعة, وازداد الاستهلاك الشخصي للإنسان مع ارتفاع المستوى المعيشي له, مما أدى إلى زيادة الطلب على المياه العذبة, واستثمارها بشكل جائر, وبرزت أزمة مائية في معظم بلدان العالم.
إن بناء مدن كبيرة على سواحل البحار, وإقامة مشاريع زراعية في السهول الساحلية, فرضت استثماراً جائراً أحياناً للطبقات المائية بوساطة عدد كبير من الآبار, الأمر الذي أدى إلى تخفيض مناسيب المياه الجوفية في تلك الطبقات, ومن ثم اندساس مياه البحر ضمن صخور طبقات المياه الجوفية العذبة, فتلوثت المياه وأصبحت غير صالحة للشرب وبعض الاستخدامات الأخرى.
تهتم دول كثيرة بدراسة مشكلة اندساس مياه البحر ضمن الطبقات الشاطئية الحاملة لمياه عذبة, وتبدي دول كثيرة اهتماماً متزايداً بصرف المياه الجوفية العذبة في منطقة الرصيف القاري تحت سطح البحر وخلصت بعض الدراسات إلى نتائج مهمة, تضمنت حلولاً عملية لإعادة الوضع الهيدروجيولوجي إلى وضعه الطبيعي.
تعاني دول كثيرة, ومنها أغلب دول حوض البحر المتوسط من تداخل مياه البحر مع المياه الجوفية العذبة ضمن الطبقات الشاطئية الحاملة للمياه في المناطق السهلية. لذلك لا بد من دراسة هذه الظاهرة, ووضع الحلول العلمية المناسبة لها.
يحصل تداخل مياه البحر ضمن طبقات المياه العذبة قرب الشواطئ, عندما تتكشف التوضعات النفوذة الحاملة للمياه في قاع البحر, وفي حال وجود تدرج هيدروليكي باتجاه اليابسة, ويمكن الوقاية من اندساس مياه البحر بالحفاظ على منسوب المياه العذبة أعلى من منسوب مياه البحر, أي المحافظة على تدرّج هيدروليكي باتجاه البحر.
ظروف تداخل مياه البحر مع المياه الجوفية العذبة
تتحرك مياه البحر المالحة ببطء تحت المياه العذبة في الشروط الطبيعية أو الاصطناعية عبر مسامات صخور طبقة المياه العذبة تحت تأثير الفرق بين كثافتي المياه المالحة والمياه العذبة, ويتعلق طول أسفين التداخل بهذا الفرق, وبسماكة طبقة المياه, وبمقدار صرف المياه الجوفية عبر قطاع تكشّف الطبقة نفسها في قاع البحر, ويتعلق أيضا بمربع سماكة الطبقة, وبعامل رشحها.
كما إن مياه البحر المالحة المتدفقة في أثناء العواصف البحرية, وفي أثناء المد, تغمر مساحات واسعة من السهول على طول الشاطئ, يتناسب عرضها مع شدة تلك العواصف أو ارتفاع المد, ثم تتسرب المياه المالحة عبر مسامات الصخور والتربة, حتى تصل إلى سطح المياه الجوفية العذبة.
فتتملح هذه الأخيرة, وتتسبب بأضرار متنوعة على النباتات وأساسات المنشآت الهندسية في المنطقة. وقد تخرج طبقة المياه الجوفية من الاستثمار, ضمن حدود منطقة التملح. كما حصل بعد حادثة المد البحري على شواطئ سومطرة وماليزيا واندونيسيا.
ويشكل الاستثمار الجائر للمياه الجوفية السبب الرئيسي لاندساس مياه البحر تحت المياه الجوفية العذبة في الطبقات الشاطئية الحاملة للمياه, لأن الاستثمار الجائر يسبب ميلاً هيدروليكياً عكسياً باتجاه اليابسة.
كما أن أعمال تجفيف المستنقعات والمقالع وغيرها من الأعمال التي تخرب الوضع الهيدروديناميكي في جملة البحر- الطبقة المائية, تسبب اندساس مياه البحر في الطبقات المائية, التي يتوضع مستوى أساسها تحت سطح البحر.
إن طبقة المياه الحرة والطبقة الارتوازية الأولى أكثر عرضة لخطر اندساس مياه البحر فيهما, بينما تكون الطبقات الارتوازية العميقة بعيدة عن الخطر عموماً, وتدخل مياه البحر مباشرةً إلى الطبقات عبر مناطق تكشّفها تحت سطح البحر, أو تسرب المياه المالحة من مجاري الأنهار والأقنية التي سبق واندفعت فيها مياه البحر.
تتراوح سرعة تحرك جبهة التداخل بين المياه المالحة والمياه العذبة بين عدة أمتار وعدة مئات الأمتار سنوياً, كما أن سرعة حركتها تتغير دورياً, فهي تتزايد خلال فترة الجفاف, بسبب استثمار المياه الجوفية, وتتناقص خلال فترة الهطل المائي وقد تتوقف جبهة التداخل أو تتراجع, إذا كانت كمية الهطل المطري كبيرة, والخصائص الهيدروجيولوجية الصخور الطبقة المائية جيدة.