يظنّ بعض الناس أنّ المدرسة والمجتمع هما وحدهما المسؤولان عن التربية الثقافية وأن العائلة لا تستطيع القيام بشيء في هذا الميدان لأنّ واجبها الأول هو أن تهتم بغذاء الطفل ولباسه ولعبه وتسليته وأن توفر له صحة متينة قبل الذهاب إلى المدرسة والمدرسة حينئذ ستتكفل بأمور الثقافة.
ولكن في الواقع أن العائلة هي التي يجب أن تبدأ بالتربية الثقافية بأسرع وقت ممكن وعليها أن تستخدم لذلك مختلف الوسائل وأحسنها.
وليست القضية قضية واجب تربوي فحسب وليس الولد هو الذي يستفيد وحده من الثقافة فالعائلة التي لا يقرأ الآباء أنفسهم فيها الكتب والصحف وغيرها يصعب عليها أن توفر للطفل الثقافة اللازمة وتبقى مساعيها في هذا الميدان ضعيفة زائفة وسيكتشف الطفل ذلك عندما ترسخ في رأسه فكرة مضمونها أن ما يحاول أهله تقديمه له ليس بذي فائدة أو أهمية.
أمّا العائلة التي يحيا فيها الآباء حياة ثقافية نشيطة والتي تشكل الصحيفة والكتاب فيها جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية والتي تهتم بما يعرض على الشاشة فإن التربية الثقافية ستتوافر فيها وإن لم يفكر الآباء في ذلك.
إلا أن هذا يجب ألا يجعلنا نعتقد أن العادات الثقافية تتكون من تلقاء نفسها فلن تكون التربية الثقافية مجدية إلا إذا نظمت تنظيماً واقعياً وفق منهاج محدد أو طريقة معينة وإن تربية الطفل الثقافية يجب أن تبدأ في وقت مبكر جداً حتى قبل تمكنه من القراءة.
أثر القصص في التربية الثقافية للطفل
إنّ قصة أو حكاية تسرد سرداً جيداً هي بداية التربية الثقافية وهنا لا بأس من وجود مجموعة قصص في البيت ويجب أن تكون القصة قصيرة كي يفهمها الأطفال الصغار وسهلة الأسلوب حتى يدركوا معانيها.
واختيار القصص أمر بالغ الأهمية ويجب نبذ القصص التي تخاطب روح الشر والتي تتحدث عن الشياطين والجنيات حيث أن ذلك النوع من القصص يمكن عرضه على أولاد أكبر سناً سلحوا تسليحاً قوياً بالوعي لأن الصغار قد يعتقدون بأنها أشياء حقيقية فتقودهم نحو عالم سحري قاتم مفزع.
إن أفضل القصص للأطفال الصغار هي قصص الحيوان والأدب الشعبي وآداب الأمم الأخرى وهي قصص مفعمة بالكنوز الثقافية.
وعندما يكبر الطفل علينا أن ننتقل معه إلى الحكايات والقصص التي تدور حول العلاقات الإنسانية ولكن دون أن نتعرض إلى الإنسان وبراءته وسذاجته بصورة ساخرة لاذعة وهناك زمرة بديعة من القصص والحكايات التي تصور كفاح المظلومين والفقراء يمكن الاستعانة بها بعد تحويرها والاقتباس منها.
يجب أن يكون الآباء حذرين في انتقاء هذه القصص والحكايات وأن يبتعدوا عما هو وحشي وشرير وعنيف وعما يفرط في وصف قسوة موت الأبطال أو الأطفال الشجعان.
ومن المستحسن اختيار الحكاية التي توقظ الثقة بقوى الطفل والتي تخلف عنده النظرة المتفائلة والأمل بالنصر.
وكذلك العطف على المستضعفين المضطهدين يجب ألا يرافقه اليأس المرير أو الصور الحزينة التي تمثل الاضطهاد والاستغلال فلا يمكن أن تقصّ هذه القصص إلا على الأطفال المتقدمين في السن.
هذا وإن للصور أهمية كبيرة في تنمية خيال الطفل وتوسيع فكره ويمكن استخدام أي نوع من اللوحات أو الصور أو الرسوم إذا كانت ملائمة المحتوى.
والطفل حين يتفحص الصورة يطرح كثيراً من الأسئلة عادة ويهتم بالتفضيلات والعلاقات والعلل ومن الضروري أن نجيب دائماً عن أسئلته بشكل يساعده على الفهم وإذا كانت أسئلته من النوع الذي يصعب الإجابة عنه فنستطيع أن نبسّط إجاباتنا لتتلاءم مع إدراكه.
إن تعلم القراءة دليل على بلوغ مرحلة انتقالية واضحة في العمل الثقافي في الأسرة وهذه المرحلة ذات أهمية بالغة في حياة الطفل ولذلك يجب ألا نرغمه على العمل في الخطوات الأولى من تعلم القراءة كما يجب ألا نشجع الكسل الذي يبديه الطفل أمام المصاعب التي تصادفه.
وكتب هذه المرحلة يجب أن تكون مقبولة ومطبوعة بحروف كبيرة وغنية بالصور والرسوم كي تثير اهتمام الطفل بالقراءة والرغبة في قهر المصاعب.
إن تعلم القراءة ينقل الطفل إلى مرحلة تالية هي مرحلة اكتساب المعارف بمفرده أو بالاستعانة بغيره من أترابه أو من الراشدين حيث تحتل المدرسة المقام اللائق الأول في حياة الطفل ولا يعني هذا أن يغفل الآباء مسؤولياتهم ويتركوها للمدرسة فاهتمام الآباء بتربية أبنائهم الثقافية له أكبر الأثر في عمل الأبناء المدرسي.
وفي هذه المرحلة تأخذ الكتب والصحف والمصادر أو الأشكال الأخرى للتربية الثقافية معناها التام.