على الرغم من تأخر ظهور علم الإدارة نسبياً إلا أن هناك مجموعة من العوامل التي حدثت فيما بعد وساعدت على نهضة هذا العلم واستمرار تطوره من أهمها ما يلي :
أولا: الثورة الصناعية والانقلاب الكبير في عالم الإنتاج
إن ظهور الآلات الحديثة، وبروز أساليب الإنتاج الكبيرة في أعقاب الثورة الصناعية التي حدثت في منتصف القرن الثامن عشر أدّى إلى نشوء مجمعات صناعية ضخمة تضم عشرات الآلاف من العمال والفنيين والمهندسين.
الأمر الذي أدى بدوره إلى خلق صعوبات ومشاكل جديدة لم تكن موجودة في السابق عندما كان صاحب المنشأة مع أفراد أسرته وعماله يسيطران سيطرة تامة على العملية الإنتاجية والإدارية، لهذا أصبح لزاما على مالكي المشاريع الاعتماد على إدارات متخصصة قادرة على وضع الحلول المناسبة لهذه المشاكل الجديدة بالاعتماد على التخطيط والتنظيم والتوجيه والمتابعة وغيرها من الوظائف الإدارية الأخرى التي تستند إلى قواعد ومبادئ محددة وراسخة.
الأمر الذي أدى إلى زيادة الاهتمام بعلم الإدارة بوصفه السبيل الوحيد لتكوين وخلق الكفاءات الإدارية المتخصصة والقادرة على استغلال الموارد المادية والبشرية المتاحة وإدارتها لما هو مصلحة المنظمة و المجتمع بمختلف فئاته.
ثانيا: زيادة عدد المشروعات الاقتصادية واتساع قدراتها الإنتاجية
نتيجة للتطورات الفنية والتقنية التي حصلت في ظل الثورة الصناعية، والتي كان من أبرزها ظهور الآلات وتقسيم العمل والتخصص فيه ازداد عدد المشاريع الاقتصادية وتوسعت أحجامها وطاقاتها الإنتاجية، وأصبحت نتيجة لذلك تتنافس فيما بينها على اكتساب الأسواق لتصريف فوائض إنتاجها من جهة، وتخفيض تكاليف منتجاتها، وتحسين نوعيتها من جهة أخرى.
الأمر الذي حتم على مالكيها ومجالس إداراتها اللجوء إلى استخدام أفضل الأساليب الإدارية والعملية التي تمكنها من الصمود في وجه المنافسين والاستمرار بالعملية الإنتاجية بتقدم ونجاح وبعائد استثماري مناسب يتيح لها إعادة إنتاجها، وتحديث تقنياتها، وتحفيز عمالها للعمل بأعلى كفاءة ممكنة.
الأمر الذي دفع الكثير من الباحثين إلى زيادة الاهتمام بعلم الإدارة وإجراء المزيد من الأبحاث والدراسات التي ساهمت فيما بعد في تطوير هذا العلم وترسيخ مبادئه.
ثالثا: الأزمة الاقتصادية الكبرى (1929-1933م)
لعبت الأزمة الاقتصادية الكبرى التي حدثت في الفترة الواقعة ما بين عامي 1929م و 1933م دورا بارزا في تطوير علم الإدارة، إذا تبين في نهاية هذه الأزمة أن سببها لا يعود إلى عدم توافر الثروات وعوامل الإنتاج ، بل إن وجودها بكثرة جعلها معطلة عن الاستخدام بسبب عدم وجود الإدارة العلمية الواعية والقادرة على استغلال هذه الثروات بما يتناسب مع حاجة المجتمع الدولي بكافة شعوبه وشرائحه المختلفة.
الأمر الذي لفت الانتباه إلى ضرورة الاهتمام بعنصر الإدارة ومراجعة طبيعة أعمال المديرين، وتطوير أساليبهم الإدارية لضمان استغلال الموارد المتاحة للمجتمع بالشكل الأمثل الذي يحقق رغبات كافة أفراده ومصالحهم.
رابعا: الحرب العالمية الثانية
لقد أدت الحرب العالمية الثانية واشتداد حدة المنافسة بين الدول المتحاربة في مجال الصناعات الحربية والإنتاج العسكري إلى نشوء تجمعات صناعية عسكرية ضخمة تعتمد على أحدث الأساليب التقنية المتقدمة في العمليات الإنتاجية لتحقيق التفوق العسكري على الخصوم والأعداء الأمر الذي دفع القيادات السياسية والعسكرية إلى الاهتمام بفئة المديرين والجهاز الإداري وتشجيعهم على تطوير أبحاثهم وتعميق دراساتهم الميدانية والنظرية.
ونتيجة لذلك تم تأسيس العديد من المراكز والمعاهد والكليات المتخصصة لأعداد الكوادر الإدارية المؤهلة والقادرة على إدارة شؤون المجتمعات الصناعية العسكرية وتسييرها وفق أحدث الوسائل والأساليب الإدارية والفنية مما ساهم في زيادة الاهتمام بالإدارة العلمية وعناصرها المختلفة ودفع الباحثين والعلماء لابتكار أفضل الطرق والأساليب القادرة على رفع وزيادة الكفاءة الإنتاجية.
خامسا: تشكل النقابات العمالية
نتيجة الثورة الصناعية واستخدام التقنيات الآلية في مجال العمل والإنتاج حلت الآلة محل العاملين مما أدى إلى تشكل جيش من العمال العاطلين عن العمل . ولهذا كان لا بد للطبقة العاملة من توحيد صفوفها في تنظيمات نقابية داخل المشروعات الاقتصادية وخارجها للدفاع عن مصالحها.
وهذه التنظيمات أصبحت فيما بعد قوة سياسية وإدارية تتدخل بإدارة المنشآت الاقتصادية وتسهم في اتخاذ القرارات التي تعكس مصالح أعضائها بشكل مباشر مثل تحديد ساعات العمل اليومية والأجور وتحقيق الضمان الصحي والاجتماعي والإجازات وغير ذلك من الأمور الأخرى التي تتعلق بمصالح الطبقة العاملة.
ونظراً لهذا الواقع الجديد فقد اضطر مالكو المنشآت وأرباب العمل إلى الاعتماد على العناصر الإدارية ذات الكفاءة العالية لدراسة مطالب النقابات العمالية والعمل على التوفيق بين هذه المطالب وبين مصالح المالكين.