هل سمعت بالقهم؟ أو فقد الشهية العصبي الذي يصيب غالباً النساء الشابات.
يتميز هذا الاضطراب المرضي بسلوك عنيد غير هادف عموماً لكنه موجّه حصراً لإنقاص الوزن مع انشغال دائم بوزن الجسم وأنواع الطعام وهذا الخوف الحاد من اكتساب الوزن يرافقه اختلال في تخيل شكل الجسد بمعنى أنّ المريضة النحيلة تتخيل نفسها بدينة وهكذا تنخرط في برامج صارمة باتباع نظام الحمية الموجه. لإنقاص الوزن وبعضهن يفرطن في نوبات نهم طعامية ثمّ يتلو ذلك سلوك تطهيري إذ يتناولن المسهلات أو الملينات أو المقيئات ليتخلصن من هذا الطعام وكل هذا بهدف الإبقاء على أوزانهن بحدود المعدلات المنخفضة نتيجة خوفهن الشديد من البدانة المتخيلة.
وهكذا نجد أن هذا الاضطراب يتسم بخاصتين أساسيتين هما اضطراب عميق لتصور الجسد، وسعي حثيث نحو النحافة قد يؤدي إلى الموت جوعاً.
ينتشر هذا الاضطراب بين الإناث خصوصاً في سنّ المراهقة وتعزوه النظريات النفسية إلى الصراعات النفسية المحيطة بالمريضة منذ الطفولة وصولاً إلى الأنوثة الكاملة وذلك فيما يتعلق منها بالاستقلالية وبناء الذات.
أغلبية المرضى من النساء
بداية المرض غالباً تكون في سن 14 حتى 18 سنة ونسبته بحدود 1٪ من المراهقين وهي أكثر بحوالي 20 ضعفاً عند النساء منها عند الرجال.
وليست المشكلة في أعراض المرض نفسه بل تمتد إلى مشاكل نفسية أخرى ترافقه عادة مثل الاكتئاب الجسيم الذي ينتشر بين مرضى القهم بنسبة 65٪ والرهاب الاجتماعي 34٪ والوسواس القهري 26٪.
العوامل المسببة لهذا المرض
هناك الكثير من العوامل التي تسهم في حدوث هذا المرض ولعل أهمها:
العوامل البيولوجية
بعض المريضات أظهرن نقصاً في إفراز الهرمونات الأنثوية كما أن بعض النتائج أظهرت تشابهاً مع سببية الاكتئاب بالإضافة إلى الخلل الحاصل في إفراز المراسيل العصبية كالسيروتونين والأدرينالين والدوبامين.
العوامل الاجتماعية
أصبحت عناية المجتمعات تميل عموماً نحو النحافة وقد ثبت أن الخصومات العائلية وانخفاض التعاطف والتآزر العائلي والعزوف عن الزواج تساهم في انتشار المرض.
العوامل النفسية
يبدو المرض كأنه رد فعل من المراهقات تعبيراً عن حاجتهن إلى مزيد من الاستقلالية وزيادة وظائفهن الاجتماعية والعاطفية وهكذا فباستغراقهن في حالات شبه وسواسية فيما يحيط بالطعام واكتساب الوزن يعبرن عن احتجاجهن ورفضهن ،فهؤلاء المريضات لديهن نقص بالإحساس بالاستقلالية وبكيانهن الشخصي وإن اضطهاد الجسد بمحاولة تمويت النفس جوعاً هو سلوك غريب ينتهجنه لنيل الاعتراف بهن وبخصوصيتهن المستلبة.
إذاً وبواسطة التفكير بضبط النفس الفائق عن الطعام تستطيع المريضة الفاقدة الشهية أن تطور الإحساس بالاستقلالية ولذا فإن المحللين النفسيين الذين يتعاملون مع هؤلاء المريضات يوافقون على أن هؤلاء الشابات لا يستطعن الانفصال نفسياً عن أمهاتهن.
إن أجسادهن مسكونة دوماً بأمّ اقتحامية باردة وغير متعاطفة وإنّ تدمير هذا الجسد بالتجويع هو الخلاص من هذه الأم والحصول على الحرية والهوية الشخصية.
كما أنّ العديد من المريضات يشعرن بأن رغباتهن الفموية شرهة وغير مقبولة لديهن ولذا تنكر المريضة هذه الرغبات وتتحول بشكل إسقاطي نحو الوالدين.
كيف نتعرف على المرض؟
قد يبدأ المرض في سن مبكرة بحدود 10 سنوات حتى 30 سنة وذلك بخوف شديد من اكتساب الوزن والسمنة ولذا فإنّ معظم أنماط السلوك الشاذة تكون عادة في السر بعيداً عن أعين الأهل وهي موجّهة نحو خسارة الوزن.
فالمريضات يرفضن أن يشاركن عائلاتهن الطعام أو يأكلن في أماكن عامة ويبدأن بخسارة الوزن بشكل حاد بإنقاص كميات الطعام الدسم والسكريات.
ولابد أن نلاحظ أن تسمية المرض بفقد الشهية مضللة وخاطئة لأنّ الشهية عموماً فيه طبيعية ولا تنقص إلا في المراحل الأخيرة وبشكل نادر.
كما أنّه من الملاحظ أنّ المريضات يفكرن باستمرار في أمور الطعام ولديهن هوس فائق بجمع وصفات الطهو وإعداد وجبات متقنة للآخرين وبعضهن لا يتمالكن أنفسهن فينخرطن في التهام الطعام بكميات كبيرة وغالباً في الليل ثم يتلو ذلك إقياءات مسببة ذاتياً أو يلجأن إلى استعمال الملينات والمسهلات وربما يمارسن التمارين الرياضية المجهدة.
وتظهر المريضة تصرفات غريبة حول الطعام إذ تخبئه في زوايا المنزل أو تحمل كميات كبيرة منه في حقيبتها، وعندما تتناول الطعام تسرع للتخلص منه، وعادة ما تقسّم الوجبات إلى أجزاء صغيرة وتقضي وقتاً كبيراً في توزيع هذه الأجزاء على الصحون والمائدة.
وإذا كانت المريضة متآلفة مع سلوكها فإنّها غالباً تنكر أن هذا السلوك غير طبيعي أو ترفض أن تناقش به.
ونجد أن هؤلاء المريضات عادة ميالات إلى التشدد والكمال والمثالية ولديهن شكوى جسدية.
وفي الراشدات نجد نقصاً في التطور العاطفي والانفتاح على الجنس الآخر.
ويتقدم المرض ليأخذ مساراً درامياً حيث تنقص أوزانهن بشكل لافت وتنخفض حرارة الجسم وتتباطأ ضربات القلب وينخفض الضغط وتنقطع الدورة الشهرية وتصبح عندئذ الحاجة ماسة لإدخال المريضة إلى المشفى.
الأنماط الفرعية للمرض
النمط التطهيري
نجد المريضات ينخرطن في نوبات من النهم ثمّ يتخلصن من الطعام عن طريق الإقياء أو المسهلات وهؤلاء عادة ينتميان إلى عائلات لديهن تاريخ في السمنة.
النمط المحصور
نجد هنا المريضات يحددن طعامهن إلى حدّ كبير ولديهن سمات وسواسية قهرية تجاه الطعام.