الأسباب السياسية والاقتصادية للأزمة الاقتصادية في 2008
إن إعادة ترتيب العالم وفق الرغبات والمصالح الأمريكية يحتاج للجهد والقوة والمال، ويحتاج لمعاهدات وأحلاف وشركاء لكي تدوم هذه السيطرة طويلاً، لكن الوعي الوطني ورفض الشعوب للسيطرة الأجنبية والرغبة في الاستقلال السياسي والاقتصادي تدفع الشعب إما للتمرد بمفاهيم القرن العشرين والحصول على الاستقلال، أو للمشاركة والحصول على حصة بمفاهيم القرن الحادي والعشرين.
أي أنه تصعب السيطرة الأحادية وبالتالي من أطلقوا على القرن الحادي والعشرين بأنه يجب أن يكون قرناً أمريكياً بامتياز سوف يخطؤون وكان ديك تشيني صاحب هذه الفكرة.
و من هنا نستنتج أن الأفكار السياسية والاقتصادية قد كانت سبباً من أسباب الأزمة المالية العالمية لعام 2008م، وذلك استناداً للمؤشرات التالية:
1 ـ إن احتلال الولايات المتحدة الأمريكية لأفغانستان عام 2002م والعراق عام 2003م قد مهد السبيل للسيطرة الأمريكية على النفط، لكن هذا الأمر قد رتب عليها نفقات كبيرة جداً حيث ازدادت نفقات الأمن والدفاع من 300 مليار دولار عام 2001م إلى 711 مليار دولار عام 2007 أي ما يعادل 5,1% من الناتج بعد أن كانت 2,9% عام 2001م.
2 ـ الضغط على الأنظمة الوطنية تحت شعار (من هو ليس معنا فهو ضدنا) وبالتالي تم تصنيف سورية وإيران وكوريا الشمالية وغيرها بأنها دول محور الشر، وبدأت القرارات تصدر لمعاقبة ومحاسبة هذه الدول الأمر الذي زاد من أعداء الولايات المتحدة ومحاربة المصالح الأمريكية والشركات الأمريكية.
3 ـ ازداد العجز التجاري الأمريكي من 426,4 مليار دولار عام 2001م إلى 815,3 مليار دولار أي ما يعادل 5,9% من الناتج الأمر الذي بات يشكل وسائل ضغط على الاقتصاد الأمريكي.
4 ـ ازداد عجز الموازنة بعد أن كان هناك فائضاً عام 2001 بلغ 50 مليار دولار ليصل العجز إلى 275 مليار دولار عام 2007م وحوالي 1305,8 مليار دولار عام 2008م أي شكل حوالي 9,1% من الناتج وهذا الأمر يعود لسياسة النقديين في تخفيض الضرائب على القطاع الخاص بهدف تشجيع الاستثمار الأمر الذي أدى لزيادة المديونية الداخلية والخارجية.
5 ـ إن سياسة الولايات المتحدة في تشجيع الاستثمار في المجالات الخدمية وفي قطاع المصارف والتأمين والبورصة قد شجع المستثمرين الأجانب على توظيف أموالهم في قطاع المال والمصارف والتأمين فازدادت المطالب الاستثمارية تجاه الخارج من 8177,5 مليار عام 2000م إلى 20081,7 مليار دولار عام 2007م أي قبل الأزمة في حين كانت الاستثمارات الأمريكية في الخارج بحدود 17679,9 عام 2007م أي ـ كانت الاستثمارات الخارجية تفوق الناتج المحلي الإجمالي.
ومن ثم كانت الالتزامات تجاه الخارج تفوق المطاليب بحدود 2401,8 مليار دولار أي ما يعادل 17% من حجم الناتج وهذا الأمر يشكل عنصر خطر على الاقتصاد الأمريكي من جهة وعلى البورصة والمصارف من جهة أخرى.
لذلك كانت هذه الاستثمارات العامل المساعد لإحداث الأزمة المالية في البورصات الأمريكية.
إن هذه الأسباب السياسية والعسكرية والاقتصادية كانت العامل غير المباشر في إحداث الأزمة، لأن الاقتصاد الأمريكي كان بفضل هذه الأسباب يتراجع وتتراجع قدرته على مواجهة الأزمات.
آلية حدوث الأزمة
لقد تهيأت الظروف المباشرة وغير المباشرة للأزمة المالية فالبورصات وصلت إلى أعلى معدلات الأسعار، والمصارف قامت بتسليف كل ما لديها من إيداعات إما للمضاربين في البورصة أو للمضاربة في قطاع العقارات، وشركات التأمين قامت بالتأمين على القروض العقارية أو اشترت بالاحتياطات المتوفرة لديها الأسهم والسندات من البورصة، والحكومات الأمريكية والأوروبية زادت مديونيتها خلال فترة الرواج.
ـ في شباط 2007م توقف عدد كبير من المقترضين للقروض العقارية عن السداد وكان الرقم بحدود 700 مليار دولار في الولايات المتحدة الأمريكية، فقامت المصارف بمصادرة المنازل وبيعها في السوق فلم تجد مشترٍ لها فهبطت الأسعار إلى أقل من 50% من قيمتها مما زاد المشكلة تعقيداً.
ـ بدأت المؤشرات بالهبوط في آب نظراً للهبوط في أسعار العقارات وتقلص سيولة المصارف.
ـ 22 كانون الثاني 2008م قام المصرف المركزي الأمريكي بتخفيض سعر الفائدة لديه من 4,25% إلى 3,5% وذلك لوقف التدهور في الأسعار.
ـ 17 شباط 2008م بريطانيا تؤمم بنك (نورذرن روك).
ـ 16 آذار 2008م قام جي بي مورغان بشراء بنك الأعمال الأمريكي (بير ستيرفز) بسعر متدني وبمساعدة الحكومة الأمريكية.
ـ 7 أيلول 2008م قامت الحكومة الأمريكية بوضع المجموعتين العقاريتين العملاقتين (فريدي ماك) و (فني ماي) تحت الوصاية ودعمها بمبلغ 200 مليار دولار ثم لاحقاً بعد الأزمة وضعتا تحت تصرف المصرف المركزي لحمايتها من الإفلاس.
ـ 15 أيلول 2008م إعلان إفلاس بنك الأعمال (ليمان برذارز) وكان السبب المباشر للأزمة.
ـ 16 أيلول 2008م تعرضت أكبر مجموعة تأمين في العالم للإفلاس وهي (أي إي جي) وقيام الحكومة بشراء 9,79% من أسهمها أي دفعت لها حوالي 85 مليار دولار لكي لا تفلس لأن إفلاسها سوف يجر إفلاس عشرات المصارف والمؤسسات والمستثمرين في البورصة.
بعد هذين الحدثين إفلاس (ليمان براذرز) وشراء أسهم (أي إي جي) حصل الانهيار في الأسواق المالية. وهبطت المؤشرات وأعلنت جميع الدوائر المالية والحكومية الرسمية بدء الأزمة، وتناثرت بعد ذلك أحجار الدومينو الواحد تلو الآخر. ثم امتد أثر الأزمة الأمريكية إلى بريطانيا وأوربا وشرق آسيا واليابان والصين وغيرهم لتشمل جميع دول العالم بما فيها الغني والفقير.
بعد هذا قامت الحكومات في أوروبا والولايات المتحدة في إعداد خطط الإنقاذ وذلك بضخ كميات كبيرة من السيولة في الاقتصاد الوطني لكي لا يتعمق الركود فيصل إلى الكساد.