تتميز الأوساط البحرية والقارية والهوائية بتأمين المكان المناسب لنمو وتطور العضويات المختلفة حيث تعاني العضويات القارية بعد موتها من التحلل بوجود الأكسجين.
أما الكائنات العضوية التي تعيش في الأوساط الهوائية فلا يبقى لها أثر بعد موتها ولا يمكن أن تؤخذ بعين الاعتبار في الأوساط الأوكسجينية التي تتلاشى فيها.
لقد أشارت الدراسات الحيوية أنّ الأوساط المائية ذات الملوحة المعتدلة المناسبة لنمو وتطور الكائنات العضوية البحرية تقدم أفضل الشروط لتكاثرها وتشكيل حجم كبير من العضويات الأولية، وهو ما يناسب إتمام عملية تحولها إلى نفط ضمن شروط الترسيب المناسبة.
إنّ الكائنات الحية العضوية التي تقدم مادتها الأولية لتشكيل النفط، تنتمي إلى عضويات مجهرية من نوع وحيدات الخلية تدعى بلانكتون (Plancton) حيث أشارت الدراسات المعمقة إلى أنّ عددها الهائل وتكاثرها غير المحدود في الأوساط المائية البحرية المعتدلة الملوحة أمكن من اعتبارها العضويات التي شكلت المادة الأولية للتحول إلى نفط.
أنواع البلانكتون
يعرف نوعان من البلانكتون:
1- نباتي(فيتوبلانكتون) يمثله عضويات وحيدة الخلية من نوع الدياتومي.
2- بلانكتون حيواني (ذوبلانكتون) يمثله عضويات وحيدة الخلية من نوع الشعاعيات والمنخربات.
إنّ الكائنات العضوية وحيدة الخلية (الدياتومي) تملك أهمية خاصة ومميزة في تكاثرها الهائل أثناء وجودها طافية في الطبقة المائية السطحية للأوساط المعتدلة الملوحة، حيث تتوفر شروط عملية التمثيل الضوئي (ضوء + أوكسجين).
وقد بينت الدراسات الحيوية العضوية أن الدياتومي يمكنها تشكيل الزيت داخل بنيتها بنسبة تصل حتى (40%) بعملية الاستقلاب التي تتم في الخلية وهذا قاد إلى دراسة حددت أنّ الكائنات العضوية من البلانكتون النباتي الموجودة في الأوساط المائية المعتدلة الملوحة تعطى في أوساط التمثيل الضوئي أكثر من (50) مليار طن من الكربون العضوي سنوياً.
وتأتي في المرتبة الثانية من الأهمية الكائنات العضوية التي تقدم المادة الأولية لعملية التحول إلى نفط في الأوساط المائية المعتدلة الملوحة كالعضويات القاعية المرجانية، وقنافذ البحر وشوكيات الجلد إضافة إلى العضويات المجلوبة من القارة إلى البحار من خلال المياه الجارية التي تصب فيها.
الأحواض الترسيبية المناسبة لتحول المادة العضوية وتشكيل النفط
إنّ تحول المادة العضوية إلى نفط يتطلب حجماً كبيراً جداً من هذه المادة المتوفرة في الأحواض المائية المعتدلة الملوحة من خلال البلانكتون والعضويات القاعية الأخرى.
لكن يمكن التأكيد أنه مهما بلغت كمية المادة العضوية من الحجم بعد موتها يجب أن تتجنب التحلل والتخريب من خلال ابتعادها عن الأوساط الأوكسجينية المؤكسدة وذلك من خلال تأمين وسط جيوكيميائي ذو مواصفات مرجعة تلائم التحول إلى نفط وهذا لا يتم إلا إذا توفر حوض يؤمّن حفظ هذه المادة العضوية من التحلل المؤكسد.
من المعروف أنّ المادة العضوية الموجودة في الطبقة المائية المناسبة لحياتها (ضوء + أوكسجين + مواد مغذية) هي أوساط مؤكسدة وبعد موت هذه المادة وأثناء سقوطها إلى قاع الحوض الموجودة فيه تتحلل من خلال المئات الأولى من الأمتار أثناء السقوط بتأثير البكتيريا الهوائية.
وهذا ما تتصف به الأوساط المائية المفتوحة ذات الأعماق الكبيرة والمعرضة إلى التيارات المائية المحملة بالأوكسجين وذلك حتى أعماق تصل إلى (1000 م) وهذا ينطبق على أوساط الحوض المائي المفتوح.
أما في البيئة الضحلة لبداية المنحدر القاري فإن المسافة التي تقطعها العضويات البلانكتونية الطافية بعد موتها يكون أقصر حتى تصل إلى القاع وتدفن مع الرسوبيات التي تتوضع متزامنة معها قبل تحللها الكامل بالأوكسجين المائي.
وقد وجد أن نسبة المادة العضوية التي تصل إلى القاع في مناطق الأعماق السحيقة للمحيطات، لا تتعدى (0.05 % ) بينما ترتفع هذه النسبة في مناطق البيئة الضحلة للمنحدر القاري إلى ( 5 % ) من إجمالي المادة العضوية البلانكتونية.
إنّ مواصفات الحوض الترسيبي الذي تتم فيه عملية توضع المادة العضوية الميتة مع الرسوبيات بشكل متزامن له دور كبير في عملية تأمين الحفظ الجيد لهذه العضويات من التحلل الناتج عن البكتيريا الهوائية.
وهذا يمكن أن تؤمنه أحواض ترسيبية يتحقق فيها التطبق المائي والمتميزة بأنها تكون مفصولة عن الأحواض المائية المفتوحة (محيطات __ بحار مفتوحة) بحواجز تؤمن هدوء هذه الأوساط وخلوها من التيارات المائية، بحيث تتميز الطبقة المائية العلوية بشروط الحياة المناسبة للعضويات.
أما الطبقة المائية السفلية فتكون بعيدة عن الأوكسجين ويتحقق فيها وسط جيوكيميائي مرجع حيث أنّ عملية التفكك البكتيري للعضويات الميتة تسهل عملية التحول التي تليها، فهي تستهلك الهيدروجينH2 لإرجاع CO2 والكبريتات (SO4) معطية الميتان والكباريت ومحققة وسط جيوكيميائي مرجع وكل هذا يؤمن الدفن السريع للمادة العضوية الميتة مع الغرينات الغضارية والكلسية الناعمة.