إنّ النظام العام والآداب العامة هما المحكّ الاجتماعيّ والقانوني لبيان مدى مواكبة الاتفاقات الخاصة بين الأفراد والمصالح الأساسية المشتركة في المجتمع.
تعريف النظام العام
هو مجموعة المبادئ الأساسية في التنظيم الاجتماعي أو مجموعة الأسس السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تكوّن المعتقد الاجتماعي العام والتي يقوم عليها مجتمع معين في وقت معين.
تعريف الآداب العامة
هي مشاعر الشرف ومبادئ الذوق العام التي تخلق إباءً أخلاقياً يترفّع عما يؤدي إلى المساس والانتقاص من الكمال الأخلاقي الموجود في وجدان المجتمع.
هذه القيم الاجتماعية التنظيمية والأخلاقية هي قيم قانونية عليا يرتكز عليها بنيان المجتمع القانوني والأخلاقي لذلك يجب ألا تتناقض معها مواقف الأفراد واتفاقاتهم.
معيارية مفهوم النظام العام والآداب العامة
يجب أن ندرك أن فكرة النظام العام أو الآداب العامة هي فكرة نسبية معيارية تختلف من مجتمع إلى آخر باختلاف المقاييس في كل منها وتختلف في المجتمع الواحد باختلاف مراحل تفكيره فمثلاً فيما يتعلق بالمواريث تعتبر من النظام العام في فرنسا قاعدة المساواة بين أقارب الجهة الواحدة إذا تساووا في درجة القرابة وفي سورية قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين، وفي انكلترا قاعدة تفضيل الولد الأكبر وفيما يتعلق بالزواج فالقاعدة التي تقرر أنّ للرجل أن يتزوج أكثر من امرأة هي من قواعد النظام العام في الشريعة الإسلامية وفي البلاد التي تستمد قوانينها الشخصية منها، ولكن هذه القاعدة تعتبر مخالفة للنظام العام في القوانين الشخصية المستمدة من الديانة المسيحية.
ويختلف مفهوم النظام العام ومفهوم الآداب العامة بالنسبة للمجتمع الواحد من وقت إلى آخر وذلك تبعاً لاختلاف مراحل التفكير في هذا المجتمع وتبعاً لتعدد المذاهب والنظريات التي تسود فيه، ففي الماضي القريب كان من الممكن التعامل بالذهب ودفع الالتزامات والحقوق بالعملة الذهبية إذ لم يكن هذا التعامل في الماضي يؤدي إلى المساس بالنظام العام الناتج عن مبادئ السياسة الاقتصادية ونظام التداول ولكنّ الاتفاق الآن في ظل قانون التداول الإلزامي للنقود الورقية والمعدنية غير الذهبية يعدّ باطلاً لمخالفته للنظام العام المستمد من المبادئ الأساسية في التنظيم الاقتصادي والاجتماعي.
وبالنسبة لفكرة الآداب العامة فهي كالنظام العام فكرة معيارية نسبية تتغير في الزمان والمكان ووفق الظروف والمقاييس.
أي أنّ مفهوم النظام العام والآداب العامة هما مفهومان معياريان يختلفان باختلاف نظرة الناس المتجددة إلى الأشياء ولكنهما يتمتعان بقدرٍ من الثبات يتفق مع الحركة الذاتية البطيئة في المبادئ القانونية الاجتماعية الأساسية.
فالنظام العام يهدف إلى حماية الحرية ولكن هذه الحماية لا يمكن أن تتحقق في ظل السياسات القائمة على المذهب الفردي والنظام الرأسمالي لأنّ تمركز علاقات الملكية الخاصة حول هدف الإنتاج والربح سوف يؤدي بالضرورة إلى الحرية الصورية الخالية من المضمون ثم إلى العبودية حيث تنتفي المساواة وتنعدم العدالة ويصبح العمل حاجة تدفع إلى الذل والتبعية.
لهذا فإن فكرة النظام العام لا يمكن أن تقوم ولا يمكن أن تحقق الغاية من وجودها إلا إذا كانت أداةً اجتماعيةً لتحقيق الصالح العام والمشترك في المجتمع الذي تسود فيه.