يقسم الفقه التقليدي وظائف الدولة إلى ثلاث وظائف ، جاعلا من هذا التقسيم معيارا و أساسا لتوزيع السلطة ، و هذه السلطات هي : السلطة التشريعية (و هي مختصة بالتشريع) و السلطة التنفيذية ( مختصة بالتنفيذ ) و السلطة القضائية ( تقوم بوظيفة القضاء ).
ارتبط هذا التقسيم بفكرة الفصل بين السلطات ، فانتشار المبادئ الديمقراطية و الدعوة للحد من سلطات الملوك و المناداة بحقوق الأفراد و حرياتهم ، كل ذلك أدى لظهور مبدأ الفصل بين السلطات للحيلولة من تحول السلطة إلى سلطة استبدادية.
و إن كان هذا التقسيم هو جوهر مبدأ الفصل بين السلطات ، فإن هذا المبدأ لا يعني وضع إقامة سياج مادي يفصل فصلا تاما بين هذه السلطات ، بل يدعو هذا المبدأ إلى التعاون بينها و أن يكون لكل منها رقابة على الأخرى في نطاق اختصاصها بحيث يكون نظام أحاكم قائما على أساس ” إن السلطة تحد أو توقف السلطة ” فيؤدي ذلك إلى ضمان حقوق الأفراد و تحقيق حريتهم و احترام القوانين و حسن تطبيقها تطبيقا عادلا و سليما.
نشأة مبدأ الفصل بين السلطات
اقترن هذا المبدأ باسم مونتسيكيو و لكنه ليس من إبداعه و ليس من بنات أفكاره ، فقد سبقه إلى ذلك العديد من الفقهاء من مفكري و فلاسفة النهضة الأوروبية الحديثة و أشهرهم كان ( جون لوك ) ، حتى أن هذا المبدأ يمتد بجذوره إلى الماضي البعيد ، حيث مهد إليه العديد من الفقهاء و المفكرين و من أشهرهم أفلاطون و أرسطو.
أصبح مبدأ الفصل بين السلطات منذ الثورة الفرنسية أحد المبادئ الأساسية التي تقوم عليها النظم الديمقراطية الغربية بوجه عام ، و يحتم هذا المبدأ قيام حكومة نيابية لأنه لا يسود إلا في ظل النظام النيابي ، حيث تتضح فيه الضرورة لتوزيع السلطات.
نظرية مونتسكيو في الفصل بين السلطات
لا يذكر مبدأ الفصل بين السلطات إلا مقترنا باسم الفقيه و الفيلسوف مونتسكيو ، و ذلك لما أبرزه من أهمية لهذا المبدأ.
عرض مونتسبكيو نظريته في كتابه ( روح القانون ) و ذلك تحت عنوان ” دستور إنكلترا “.
و أهم النقاط الجوهرية التي ذكرها مونتسيكيو فيما يخص مبدأ الفصل بين السلطات :
1- قسم السلطة العامة في الدولة إلى ثلاث سلطات أساسية هي التشريعية و التنفيذية و القضائية ، و بين مهام كل سلطة منها.
2- أكد على ضرورة فصل هذه السلطات ، فليس هناك شيء أخطر على الحرية من جمع هذه السلطات بيد واحدة و لو كانت هذه اليد هي قبضة الشعب نفسه أو مجلس منبثق عنه ، فطبيعة النفس البشرية عبر التاريخ أكدت أن الاستبداد قرين الاستئثار بالسلطة.
3- طالب بأهمية مراقبة السلطة للسلطة ، و أكد أنه لا فائدة من فكرة القيد الذاتي للسلطة و لذلك يجب أن يكون هذا القيد خارجا عنها.
أثر نظرية مونتسكيو
كان لنظريته أثر واضح على رجال الثورة في فرنسا و أمريكا ، فذهبوا إلى أن الفصل بين السلطات هو شرط الحكومة الدستورية الحرة ، و أعلنت فرنسا ذلك بشكل واضح في إعلان حقوق الإنسان و المواطن فنصت المادة السادسة منه على ” أي مجتمع لا تكون فيه الحريات مكفولة ، أو فصل السلطات محددا ، هو مجتمع ليس له دستور على الإطلاق ” ولكن الثورة في فرنسا ذهبت بمبدأ فصل السلطات إلى أبعد بكثير مما كان يقصده مونتسكيو ، فهو ما كان يتصور فصل السلطات فصلا مطلقا أو نهائيا يؤدي إلى استقلال الهيئات العامة استقلالا كاملا ينتهي بها إلى نوع من العزلة ، و هو ما لم يفهمه الثوار الفرنسيون ، فقد فسروا المبدأ بما يؤدي إلى الفصل التام بحيث تنتفي كل علاقة أو تداخل بين الهيئات القائمة على مباشرة هذه السلطات.