إن نظرية الإدارة العلمية هي أحد النظريات الكلاسيكية في الإدارة ، ويعد المهندس الأمريكي فريدريك تايلور (F. taylor) الأب الشرعي لحركة الإدارة العلمية التي نشأت وتطورت في الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة الواقعة ما بين عامي (1900-1920) يعود ذلك للنهوض الصناعي الواسع التي شهدته تلك الفترة.
وقد كان من أبرز العوامل التي ساعدت على هذا النهوض هو الاستمرار والتقدم في الابتكارات التكنولوجية الحديثة من جهة وظهور فئة من المنظمين والباحثين الذين تخصصوا في عمليات الإدارة والتنظيم من جهة أخرى ومن أمثلة التطور الصناعي في تلك الفترة البدء باستخدام خطوط التجميع المتحركة في شركة فورد للسيارات واستخدام أساليب الإنتاج الكبير للاستفادة من مزاياه و وفورته.
ولكن وبالرغم من استخدام هذه التكنولوجيا الحديثة في الإنتاج كانت ظاهرة الهدر والإسراف في استخدام الموارد المادية، وبالتالي انخفاض الكفاءة الإنتاجية السمة المميزة لمعظم المنشآت الصناعية الأمريكية في تلك الفترة، الأمر الذي لفت انتباه بعض رجال الفكر الإداري من أمثال تايلور وأيمرسون وجانت، ودفعهم إلى تركيز دراساتهم وأبحاثهم لمعرفة أسباب هذا الهدر وانخفاض الكفاءة الإنتاجية وكيفية التوصل إلى حل لتلك المشكلة وفي هذا الإطار التاريخي والاجتماعي ظهرت نظرية الإدارة العلمية.
مؤسس فكر الإدارة العلمية فريدريك تايلور ( 1856-1915) :
يعد تايلور أول من نادى بالإدارة العلمية لذلك يلقبه الكثيرون من علماء الإدارة بأبي الإدارة العلمية ، وقد ولد تايلور عام 1856م في ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وفي عام 1878م عمل بوصفه ميكانيكيا وصانع نماذج في إحدى الشركات الأمريكية لصناعة الحديد والصلب، وبعد أن أنهى دراساته المسائية في مجال الهندسة الميكانيكية تدرج في العمل الوظيفي حتى وصل في عام 1884م إلى مرتبة كبير المهندسين.
وقد تمكن من خلال عمله بوصفه ميكانيكيا أولا ومن ثم بوصفه مهندسا ومديرا من إجراء الكثير من التجارب والأبحاث في العديد من المصانع الأمريكية توصل من خلالها إلى نتائج مذهلة حددها بالأرقام تبين أن هناك نسبة مئوية كبيرة من الموارد المادية والجهود البشرية تذهب هدرا في أثناء ممارسة الأعمال الإنتاجية بسبب غياب المعدلات والمعايير، وعدم ربط الأجر بالإنتاج والجهد الشخصي المبذول.
الأمر الذي يؤدي إلى إلحاق خسائر كبيرة بالاقتصاد الأمريكي، لهذا أخذ تايلور يبحث عن الطرق والوسائل الكفيلة بتوفير هذه الجهود وتحويلها إلى أعمال مثمرة ومنتجة، وبالفعل فقد توصل بنتيجة أبحاثه ودراسة الحركة والزمن إلى تحديد مجموعة من الإجراءات والوسائل التي يمكن أن تسهم في تخفيض نسبة الهدر في الموارد المادية والبشرية وتحقيق إنتاجية مرتفعة وهي :
1- طالب تايلور بضرورة قيام كل إدارة بتحليل العمل والعمليات الإنتاجية بواسطة استخدام دراسة الحركة والزمن إلى عناصرها الأساسية بغية استبعاد الحركات الزائدة وتحقيق الوفر في المواد والجهد والوقت.
2- يجب على الإدارة أن تقوم بتعيين العمال والفنيين في الأماكن التي تتناسب مع اختصاصاتهم وتدريبهم وكذلك توزيع المسؤولية بين العاملين والإدارة.
3- على الإدارة أن تقوم بوضع معايير ومقاييس دقيقة وموضوعية لقياس أداء العاملين وتطبيق مبدأ المراقبة الوظيفية لمكافأة المجد ومحاسبة المقصر.
4- ينبغي على الإدارة أن تقوم بتدريب العاملين وتأهيلهم بما ينسجم مع الطرق الإنتاجية الحديثة والأساليب الإدارية والتنظيمية المتبعة.
وتجدر الإشارة إلى أن تايلور قد قام بتجميع أفكاره وأبحاثه في كتاب نشره عام 1911م تحت عنوان (إدارة المصنع ومبادئ الإدارة العلمية)، وقد كان من أهم الأفكار الجديدة التي جاء بها تايلور للعمل الإداري ما يلي:
1- طالب بضرورة الفصل بين مهام التخطيط والتنفيذ لأن تخطيط الأعمال هومن مهام الإدارة، في حين أن تنفيذ هذه الأعمال من مهام أفراد القوى العاملة.
2- أوضح تايلور أن المقياس الصحيح لنجاح أية إدارة هو تكاليف الإنتاج وأجور العمال، لهذا يجب على الإدارة حتى تكون ناجحة أن تسعى دائما لتخفيض التكاليف وزيادة الأجور.
3- يجب على الإدارة أن تقوم بإحلال الطرق والأساليب العلمية محل الطرق والأساليب التقليدية في الإدارة التي تعتمد على التجربة والخطأ.
4- يجب استخدام الأسلوب الوظيفي في النشاط الإداري عوضا عن الأسلوب الرتبوي (التدرج السلطوي) لكي تتحقق السرعة والمرونة في أداء الأعمال.
الانتقادات التي وجهت إلى نظرية الإدارة العلمية :
على الرغم من أهمية الأفكار والآراء التي قدمتها نظرية الإدارة العلمية، والتي أسهمت بشكل كبير في إبراز أهمية الإدارة بوصفها علما له قواعد ومبادئ وأصول يجب الالتزام بها عند ممارسة العمل الإداري لضمان نجاحه وتحقيق أهدافه بأعلى درجة من الكفاءة والفعالية، فإنها لم تخل من بعض النواقص وجوانب القصور، التي جعلتها مثارا للجدل والانتقاد ، ومن أهم الانتقادات التي وجهت إليها مايلي:
1- ركزت اهتمامها على إنتاجية العامل على حساب إهمالها للجوانب الإنسانية ، فلقد تجاهلت هذه النظرية أن الإنسان عنصر أساسي في التنظيم يجب دراسة أثر أي قرار تتخذه الإدارة في سلوكه، واعتقدت أن الإنسان كالآلة يمكن للإدارة أن تديرها وتتحكم بها كما تشاء عن طريق الحوافز المادية فقط من دون الانتباه إلى أن الفرد العامل كائن حي له مشاعر وأحاسيس يجب احترامها وتقديرها.
2- ركزت دراساتها وأبحاثها على المستويات التنفيذية الدنيا (الورشة) وأهملت المستويات الإدارية الأخرى.
3- تجاهلت التنظيم غير الرسمي وعدته خطرا على المنشأة في حال تواجده، لذلك يجب على الإدارة أن تقوم بمكافحته والقضاء عليه.
4- أغفلت تأثير البيئة المحيطة في التنظيم ، إذ أقرت هذه النظرية بأن المنظمة هي عبارة عن تنظيم مغلق، أي ليس للمجتمع والبيئة المحيطة أي تأثير في سلوك الأفراد بداخله، في حين أن المنظمة بالحقيقة هي عبارة عن نظام مفتوح يؤثر في البيئة ويتأثر بها.
5- تجاهلت مبدأ وحدة القيادة ، لأنها طالبت بتطبيق الأسلوب الوظيفي لتحقيق السرعة والمرونة في العمل، الذي يجعل العامل يتلقى أوامره من قبل عدد كبير من المديرين الأمر الذي يؤدي إلى فوضى في العمل.