قبل أن تبدأ أي دولة بمكافحة التضخم لا بد من التعرف على أسبابه، فإذا تعرفنا على الأسباب تسهل عملية المكافحة والعلاج، لأنه لكل سياسة آثارها السيئة والإيجابية فزيادة الإنفاق لها من الإيجابيات ما يجعلها سياسة ناجحة، ولها في أماكن أخرى من السلبيات ما يدفع للابتعاد عنها. إذا لكل سياسة دور في العلاج ولها إمكانيات معينة للنجاح.
إن مكافحة التضخم تستلزم تخفيض الطلب لأنه كان السبب في زيادة الإنفاق الكلي ومن ثم زيادة الأسعار فأهم إجراءات المعالجة:
1 ـ تخفيض حجم الإنفاق الحكومي:
يتألف الإنفاق الحكومي من نوعين أساسيين: الإنفاق الجاري والإنفاق الاستثماري ولكل منهما آثاره الإيجابية، لكن الإنفاق الاستثماري يتوجه للإنتاج أو يشكل دعماً أساسياً لجذب الاستثمارات، لذلك لا يمكن أن يكون سبباً في التضخم، بل على العكس يمكن معالجة التضخم بزيادة الإنفاق الاستثماري لأنه سوف يزيد العرض من السلع والخدمات().
لذلك تنصب المعالجة على تخفيض حجم الإنفاق الجاري المتوجه لأعمال الصيانة والأجور والقرطاسية والنفقات الإدارية والنفقات المظهرية، وصيانة السيارات ونفقاتها والمؤتمرات والتمثيل الدبلوماسي وغيرها.
إن هذا التخفيض الذي يأتي تحت بند ضبط الإنفاق سوف يساهم في تخفيضه، فإذا كان حجم التخفيض بحدود 10% فهو ضمن الحدود المقبولة وهو يشكل لإنفاق عام مقداره 300 مليار ليرة حوالي 30 مليار ليرة فإنها تشكل جزءاً من حجم الطلب الكلي لذلك يمكن أن تساهم بتخفيض الطلب الكلي وسوف يهدأ التضخم، وعندما يلاحظ التجار هذا التوجه فإنهم يعرفون بأن رفع الأسعار يجب أن يتوقف لأن الدولة بدأت بالعلاج.
2 ـ زيادة حجم الضرائب:
عندما يزداد الطلب في الاقتصاد يؤدي لزيادة حجم الإنفاق الكلي ويؤدي ذلك لارتفاع الأسعار فكيف تستخدم الضريبة لتخفيض الطلب؟
الضرائب كما هو معلوم مبلغ من المال تجبيه الدولة بصفة إلزامية ونهائية لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية وسياسية.
فإذا كانت الضرائب متدنية في أوقات التضخم يتوجب الأمر زيادة معدلاتها والتحقق والجباية الفعلية لها لأن المكلفين لا يشعرون بثقلها في حالات الرواج، مما يؤدي لتخفيض الدخول وهدوء الأسعار، ويجب التركيز على الضرائب المباشرة لأنها تنقص دخول الأغنياء والابتعاد عن الضرائب غير المباشرة لأنها تطال دخول الفقراء وذوي الدخل المحدود.
إن استخدام الضرائب المباشرة سوف يخفف من تزايد الطلب ويؤدي لتراجع حجم الإنفاق الكلي ومن ثم تراجع الأسعار.
3 ـ زيادة أسعار الفائدة:
إن انخفاض أسعار الفائدة قد أدى لزيادة الطلب على القروض، فازدادت القروض المصرفية وكانت سبباً مباشراً من أسباب التضخم، وعند المعالجة يتوجب على السياسة النقدية أن تؤازر السياسة المالية في زيادة سعر الفائدة().
إن رفع سعر الفائدة نقطتين أو ثلاثة نقاط سوف يوضح للمستثمرين أمرين:
أ ـ ازدياد الكلفة ومن ثم التراجع في طلب القروض.
ب ـ رغبة الدولة بمكافحة التضخم عن طريق تخفيض حجم القروض المصرفية.
إن هذا التوجه أو هذه السياسة سوف تؤدي لتخفيض حجم القروض المصرفية التي كانت السبب في زيادة حجم الإنفاق الكلي فتهدأ الأسعار.
4 ـ استخدام الدين العام:
إذا لم تنجح الوسائل السابقة في مكافحة التضخم تضطر الحكومة لطرح سندات الدين العام مقابل فائدة مرتفعة فيشترك بها كبار الملاكين وأصحاب الفعاليات الاقتصادية فيتم بهذه الوسيلة سحب سيولة فائضة كانت تسبب التضخم.
وبالمقابل قد تغري المبالغ المتحصلة من خلال سندات الدين العام الحكومة لإعادة إنفاقها وتمويل عجز الموازنة، وهنا ينصح، بل يحرم على الحكومة إنفاق هذه المبالغ لأنها سوف تزيد الطلب من جديد وسوف تؤجج نيران التضخم، فإذا بقيت في الخزينة أو في المصرف المركزي فإنها ستؤدي لانخفاض حجم السيولة ومن ثم انخفاض حجم الطلب الذي كان سبباً من أسباب التضخم.