قد لا يربط كثيرون بين طرق معاملة الطفل وتربيته وبين سلوكه وبدون أن ندري قد نساهم في إكساب الطفل عادات وسلوكيات يصعب التخلص منها مع الزمن.
تظهر عند بعض الأطفال بين الشهر الخامس عشر والسنة الثالثة من العمر بعض التصرفات العنيفة والشرسة حيث يقوم الطفل ببعض الأعمال العنيفة كرمي الصحون على الأرض وكسرها وإتلاف بعض ما يقع في يده من أشياء صغيرة كاللعبة والكتب وما أشبه،أو أن يضرب الباب بيده أو يرفس الأثاث برجله.
ما هي أسباب حدة الطبع عند الطفل؟
في بعض أدوار الطفولة وهو الدور الذي يمر به الطفل من دور الطفولة الهادئة الناعمة إلى دور الوعي والاستقلال والتحدي يبدأ تبلور شخصية الطفل وظهور ما يسمى الأنا عنده والأنا هي الشعور الواعي للنفس حيث ينظر إلى نفسه وكأن له شخصية متكاملة لها رغباتها ومتطلباتها وتكون حدة الطبع في هذه الفترة أمراً سوياً يظهر غالباً عند الأطفال جميعاً بدرجات متفاوتة يعبر بها الطفل عن شخصيته ويعلن بها عن وجودها ويفرضها على المحيطين به كالوالدين والأهل جميعاً ويكون لشخصية الطفل الموروثة دور كبير في ظهورها وتبلورها فهي تظهر غالباً عند الطفل القوي الذي يتمتع بقدر كبير من النشاط يميزه عن غيره من الأطفال ولا تظهر عادة عند الطفل الهادئ اللين الطبع الذي يطيع أوامر أمه ويتقبّل إرشاداتها وتعليماتها.
وتزول هذه الحالة عادة في الأحوال السوية دون أن تترك في نفس الطفل شيئاً من الآثار والترسبات وذلك عند معرفة الأم طريقة معالجتها وحسن تصرفها مع الطفل في هذه الحالة وتجنب ما يسبب إهانةً لشخصية الطفل ويستقر في أعماقه أما إذا أساءت الأم التصرف وزادت من حدة التصادم بين شخصية الطفل المتنامية وروح التمرد وحب الاستقلال فيه وبين شخصية أمه وإرادتها وذلك بفرض سلطاتها عليه وإخضاعه لإرادتها فإن الطفل يبدأ بالصمود أمام إرادة أمه هذه فيتحدى أوامرها ويرفض سلطانها فتتلبسه حالة من العنف وحدة الطبع.
وتزداد هذه الحالة سوءاً إذا ما أساءت الأم التصرف أكثر من ذلك كأن تزجر طفلها على حدة طبعه وسوء تصرفه أو تعاقبه أو تضربه أو تشكوه لأبيه أو تشكوه لجاراتها أو أقاربها أثناء وجوده فيتمادى الطفل بتلك الحالة ويكررها ليشد إليه الانتباه ويركز نحوه الأنظار ويستمر في تماديه هذا حتى تصبح حدة الطبع عادة متأصلة فيه يلجأ إليها كلما أراد فرض إرادته أو إظهار احتجاجه على بعض ما لا يرضاه من تصرفات أمه معه ومعاملتها له أو عند عجزه عن الحصول على شيء يتمناه أو يرغب في اقتنائه.
كيف نتعامل مع الطفل حاد الطبع؟
مما يسبب قيام حالة العنف وحدة الطبع عند الطفل المحيط المتزمت والأنظمة الصارمة التي تفرض على الطفل والحساب العسير الذي يحاسب به في كل عمل يعمله أو نشاط يقوم به بدل محاولة تفهم مشاكله والبحث عما يثيره و عما يريحه وتحقيق المعقول من طلباته مما يثير عنده مشاكل نفسية كثيرة ومن جملتها حالة العنف وحدة الطبع وعلى الأم أن تتذكر دائماً أن الطفل يجب أن يعامل حسبما تقتضيه حالته وسلوكه وألا تتجاهل التباين بين شخصية طفل وآخر ذلك أن معاملة طفل كما يعامل غيره ممن يختلف عنه في الشخصية والسلوك والتصرف قد يثير المتاعب والمشاكل له ولأمه على السواء.
كذلك فإن معاملة الوالدين للطفل معاملة شديدة صارمة متعسفة لا تتناسب مع سنه ولا تتوافق مع مستوى فهمه وإدراكه تسبب للطفل الارتباك وتثير الحيرة مما يدفعه إلى التحدي والتمرد ثم إلى العنف وحدة الطبع ومن الخطأ أن تعترض الأم على كل عمل يقوم به الطفل حتى وإن كان لا يستدعي الاعتراض أو الزجر فإنها بذلك تولد فيه روح الاستياء والتذمر والتمرد خاصة في العمر الذي تظهر فيه روح الاستقلال والشعور بالكيان المستقل الذي يولده فيه ظهور الأنا وكذلك زجر الأم لطفلها أثناء لعبه ولهوه خشية إزعاج الجيران أو مراعاة وجود ضيوف في البيت بشدة وقسوة فإنها تكبت في طفلها حب اللعب والرغبة في المرح والتسلية إذ أن لعب الطفل وصياحه أمر طبيعي و التأنيب والعقاب أثناء ذلك يولد في الطفل روح النقمة والغضب ثم التمرد وعدم الطاعة ثم حدة الطبع والعنف وإنما ينبغي على الأم أن تهيء لولدها جواً يلعب فيه ويمرح حسب ما يشاء وأن تفهمه بمودة وهدوء أنّ إزعاج الجيران أمر غير صحيح، وأنه لا يليق بطفل مؤدب لطيف مثله.
إنّ مسامحة الطفل في كثير مما يأتي به من أخطاء والتساهل معه في بعض الأمور التي لا ينبغي التسامح بها وتلبية جميع رغباته مهما كانت متعبة والخوف عليه من كل أمر مهما كان صغيراً وتافهاً من الأسباب المهمة التي تنمي في الطفل روح العنف وحدة الطبع وذلك أن مثل هذا الطفل لا يعرف الحدود التي ينبغي عليه أن يقف عندها في طلباته وتصرفاته لالتباس الأمر عليه ولعدم إدراكه لما هو معقول منها وما هو غير معقول بسبب تلبية أمه لجميع رغباته وطلباته دون استثناء فإذا ما أسرف الطفل يوماً وتجاوز تلك الحدود تجاوزاً مزعجاً فإن أمه ستقوم إما بتأنيبه وإيقافه عند حده أو على الأقل بعدم الاستجابة إلى تنفيذ تلك الرغبة وعند ذلك يثور الطفل ويلجأ إلى حدة الطبع معبراً عن رغبته في تنفيذ رغباته وطلباته كلها كما كان عليه الحال آنفاً.
وقد تضطر الأم في بعض الأحيان أن تعد طفلها ببعض الوعود ثم لا تفي بها حيث تنسى أو تتناسى وعدها فيتعجب الطفل من تلك الأمور ويظهر احتجاجه على ذلك بإبداء حدة الطبع والمشاكسة والعنف وعلى الأم أيضاً ألا تعارض الأمور التي يوافق عليها الأب بطلب أو التماس من الطفل فتحرم الطفل من التمتع بموافقة أبيه على طلبه حتى لا يتولد عند الطفل نوع من العنف أيضاً.