MONA AHMAD
كيف تعامل الإنسان مع المشكلات التي واجهته عبر التاريخ؟ كيف يحل مشكلاته المعاصرة؟ كيف سيواجه مشكلاته المستقبلية؟
اختلاف الإنسان عن باقي الكائنات الحية في حل المشكلات
لقد تصدى الإنسان للأخطار والتحديات التي واجهته بأسلوب يختلف عما تفعله الكائنات الحية الأخرى التي تحل مشكلاتها من خلال ردود أفعال غريزية مباشرة وآنية تتخلص من مشكلاتها دون أن تستفيد من تجاربها وخبراتها السابقة في حل مشكلاتها الجديدة لأنها لا تمتلك ذاكرة نشطة وكافية تحتفظ فيها بمخزون من المعارف والخبرات السابقة يمكن أن توظفها في حل مشكلاتها الجديدة.
بينما يتميز الإنسان عن الكائنات الأخرى بأنه لا يحل مشكلاته غريزياً فهو يستفيد مما لديه من ذاكرة حية ونشطة وما فيها من سجل حافل بالخبرات والمعارف السابقة تمكنه من التعامل مع المشكلات الجديدة بفاعلية وإبداع.
وهكذا يتراكم في الذاكرة البشرية مخزون هائل من حلول عديدة لمشكلات مختلفة هي خبرات الإنسان عبر التاريخ تشكل هذا التراث الضخم من العلوم والثقافة والفنون والمنجزات التقنية التي نسميها الحضارة الإنسانية والتي تلخص عبقرية الإنسان الإبداعية وقدراته على مواجهة الأخطار والمشكلات عبر التاريخ وتحقيق التكيف الفعال مع المتغيرات والتطورات بفضل ما حباه الله من عقل وخبرة وتجربة.
وعلى الرغم من كل منجزات الإنسان المعاصر وتراثه وإبداعاته فإنه من السذاجة القول إن الحياة المعاصرة تسير نحو مزيد من السعادة والرخاء والأمن كما أنه من السذاجة القول إنها تتجه نحو مزيد من التعاسة والفقر والخوف لأن السعادة والتعاسة يتزايدان كماً ونوعاً في بقاع عديدة على سطح الأرض اليوم.
وتشير قراءة الواقع إلى أن حياتنا سلسلة من مشكلات جديدة كماً ونوعاً بعضها بسيط وسهل الحل وبعضها صعب ومعقد وبعضها اقتصادي أو علمي أو ثقافي ويبدو أن كل هذه الأنواع من المشكلات وغيرها غدت على درجة من التعقيد والخطورة بحيث لم تعد تجدي في حلها خبرات وتجارب ومهارات الإنسان السابقة بل تحتاج إضافة إلى ذلك منهجية فكرية جديدة تتسم بالإبداع والتجديد في حل المشكلات الجديدة ويقصد بها في هذا المجال خطة محكمة البناء تشتق من مناهج الإبداع في حل المشكلات وأنماطها وتهدف إلى تنمية قدرات المتعلم الإبداعية في فهم وحل المشكلات العلمية والاجتماعية التي يواجهها وذلك من خلال برامج وطرائق وأساليب تربوية إبداعية تستفز عقل المتعلم وتحرّضه باتجاه إيجاد حلول مبتكرة لمشكلات جديدة بحيث يغدو الحل الإبداعي للمشكلات طريقة في التفكير وأسلوباً في الممارسة والسلوك اليومي للفرد الأمر الذي يمنح الإنسان المعاصر مهارات فكرية وعلمية وسلوكية تمكّنه من حل مشكلاته واتخاذ قرارات صائبة ومواقف إيجابية متعلقة بحياته وحياة المجتمع.
ويبدو أنّ منهجية الإبداع بأركانها العلمية والتربوية هي القادرة على تحريض طاقات الأفراد الفكرية ومهاراتهم الإبداعية وتوظيفها في حل مشكلاتهم المعاصرة واتخاذ قرارات حاسمة في حاضر الأيام ومستقبلها.
ولقد دلت التجربة الإنسانية على أن استثمار الطاقات الفكرية والعقلية والوجدانية والنفسية لأي أمة هي الضمان الآمن لحاضرها ومستقبلها
هل يمكن أن نعلّم الإبداع؟
يواجه متعلمونا العديد من المشكلات الشخصية التعليمية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تزداد تعقيداً وخطورة يوماً بعد يوم وكثيراً ما ترافق أصحابها في حياتهم العملية لاحقاً وقد يكون سببها سوء التكيف مع المستجدات أو العجز في الاستجابة للتغيرات التي تعصف بالعالم المعاصر وفي الوقت نفسه لا تسعف مناهجنا الدراسية الحالية في حل هذه المشكلات لأنها تركز على استيعاب المتعلم للمحتوى هذه المناهج وحفظها في حين يتطلب الأمر امتلاك مهارات فكرية متقدمة وتوظيفها في حل المشكلات الجديدة في الوقت المناسب والمكان المناسب.
وتنبأ العلماء بثورة في طرائق التفكير كضرورة اقتصادية واجتماعية وأسرية تهدف إلى تطوير قدرات المتعلمين الفكرية والإبداعية وتمكينهم من حل المشكلات واتخاذ القرارات من خلال وضع المتعلم في موقف يتحدى العقل ويتطلب منه التفكير والبحث عن حل لمشكلة ما.
