يؤثر التضخم على الوضع الاجتماعي فمن تأثر سلبا في وضعه الاقتصادي، فإنه سيتأثر اجتماعيا وسوف يخسر مكانته الاجتماعية، وربما ينتقل من طبقة الأغنياء إلى الفقراء أو من الفقراء إلى الأغنياء وسوف تتأثر الشرائح الاجتماعية الصغيرة ضمن الطبقات الاجتماعية وسوف يتأثر الاستهلاك، والنظرة إلى العمل وتتغير المفاهيم الاجتماعية.
من أهم الآثار الاجتماعية للتضخم :
أولا : انهيار الوضع الاجتماعي للمثقفين
تعد شريحة المثقفين من أهم الشرائح والطبقات الاجتماعية في أي مجتمع فهي المسؤولة عن التطور الاقتصادي و الاجتماعي في المجتمع ، فهي التي تنتج الأفكار والنظريات ونظم العمل وتطور الهياكل الإدارية وطرق الإنتاج وغيرها، أي المستثمرين والملاكين وأصحاب الثروات لا يطورون، بل يستخدمون هذه الشريحة لكي تقوم بالتطوير.
عندما يحصل التضخم تنخفض القيمة الحقيقية للأجور وهذه الشريحة تعمل مقابل الأجر، و نتيجة لذلك سوف تقوم هذه الشريحة ببيع ممتلكاتها من أراضي وعقارات وسوف تنفق ما ادخرته سابقا لكي تحافظ على مكانتها الاجتماعية، فلن تستطيع، الأمر الذي يدفعها للعمل وردية إضافية لدى القطاع الخاص، لكنها لن تجد العمل المناسب فتضطر للعمل بأي مهنة أو أي عمل لا يتناسب مع إمكانياتها وقدراتها الثقافية (سائق ـ عامل نظافة ـ حارس ـ أعمال مكتبية.. )
وبالتالي سوف يتوقف النمو والتطور الإداري فيحصل التخلف في الهياكل الإدارية ويتوقف الاختراع والابتكار بفعل تراجع دور الشريحة المثقفة.
ثانيا : ظهور الاستهلاك الترفي
إن التضخم سوف يدفع باتجاه ظهور الغنى الفاحش لجزء من الأغنياء وهذه الشريحة أو المجموعة التي ازداد غناها على حساب الفقراء ليس لديها رغبة في تطوير البلاد، بل تفضل نفسها عن بقية الأفراد فيظهر الاستهلاك الترفي بإقامة الفيلات واقتناء السيارات الفخمة والألبسة والحلي والمجوهرات.
إن هذا التوجه سوف يزيد خسارة المجتمع الحقيقية ، حيث أن حتى الفقراء يسعون إلى تقليد الأغنياء في هذه الأنماط الاستهلاكية فيؤثر ذلك على نمو الصناعات الوطنية وتطورها.
ثالثا : تراجع أهمية العمل المنتج
إن التضخم يؤثر على الصناعات الثقيلة فيخفف من معدل نموها وتطورها، وتنمو بالمقابل الصناعات الاستهلاكية ويزداد نمو وتطور قطاع الخدمات وأعمال المضاربة، فتتغير نظرة المجتمع للعمل الإنتاجي فيصبح عملاً مذموماً لأنه لا يدر دخلاً مرتفعاً، بينما تتحسن النظرة للعمل الطفيلي الخدمي لأنه يدر أرباحاً طائلة، ويصبح تقييم الأفراد على أساس الربح أو الثروة بدلاً من الإنتاج وتشغيل العمال وتقديم السلع للسوق.
ويصل التشوه لصفوف العمال فيسعى البعض منهم للثراء الفاحش والسريع حتى لو كان على حساب القيم والكرامة، فتنتشر مقولات وأمثال وحكم جديدة تؤيد هذا الثراء وتذم العمل الصناعي المنتج.
لذلك قد يترك العديد من الصناعيين صناعاتهم ويتحولون إلى قطاع التجارة والخدمات والأعمال الطفيلية لأنها تدر الدخل الكبير والسريع، فيحصل التشوه في نظرة المجتمع للأعمال بعد أن كان يفضل ويكرم العمل المنتج والمنتجين.
رابعا : انتشار الرشوة والفساد
يؤدي التضخم لتآكل قيمة الأجور وتردي أوضاع العمال والموظفين الأمر الذي يضطر الموظف للعمل وردية إضافية ، لكن بعض الموظفين لا يجدون العمل المناسب أو قد لا يجدون عملاً، لذلك يضطرون لتقديم خدمات مشروعة للمواطنين مقابل ثمن، أي يسرعون الخدمة، لكن سرعان ما يتحولون لتقديم خدمات غير مشروعة مقابل ثمن مرتفع.
وهكذا ينتشر الفساد في كافة الدوائر الحكومية ويصبح عرفا عاما ، ويصبح لكل خدمة ثمن محدد، رغم أن المجتمع يرفض هذه الطريقة ويحاربها، لكنه يشجع من يقوم بها ويساعده في حالات المحاسبة ويتستر عليه.
وتستلزم عملية محاربة الفساد فترة طويلة من الزمن ومن العمل الدؤوب لمحاسبة الفاسدين وزيادات متتالية في الأجور لكي يصبح الأجر كافيا لخدمات المعيشة للموظفين كما هو الحال في الدول المتقدمة.