تعتبر النظرية الكمية في النقود إحدى أهم الأفكار التي جاء بها الكلاسيك، لأنها ربطت بين كمية النقود والمستوى العام للأسعار، واستطاعت أن تفسر العديد من الظواهر الاقتصادية كالتضخم والركود والنمو وحركة انتقال الذهب بين الدول وتأثيره على جميع المتغيرات الاقتصادية في كل دولة.
وتعود أفكار النظرية الكمية في جذورها إلى الاقتصادي الفرنسي جان بودان الذي نشر كتابه (الاقتصاد السياسي) عام 1568م وأشار فيه للعلاقة بين تدفق الذهب والفضة من المستعمرات إلى إسبانيا وارتفاع الأسعار.
كما أشار توماس منَّ إلى الكيفية التي يؤدي فيها الفائض التجاري لارتفاع الأسعار في بريطانيا، ثم أخذ عدد من الاقتصاديين من بعده بهذا التفسير أمثال دافيد هيوم وكانيتون وجون لوك خلال القرن السابع عشر، إلى أن جاء آدم سميث ودافيد ريكاردو وتبنوا هذه الفكرة وأسسوا لها من الناحية النظرية.
ويعتبر الفلاسفة العرب أمثال ابن خلدون وتقي الدين المقريزي أول من أسس للعلاقة بين الذهب والفضة والمستوى العام للأسعار حيث أوضح المقريزي أن زيادة النقود تؤدي إلى التضخم وارتفاع المستوى العام للأسعار،
أهم ما يميز النظرية الكمية تحليلها النقدي في أن زيادة كميات النقود تؤدي لارتفاع المستوى العام للأسعار.
معادلة النظرية الكمية في النقود
طور ريكاردو فكرة جان بودان في تحديد العلاقة بين كمية النقود والمستوى العام للأسعار، عندما حلت النقود الورقية محل النقود المعدنية في بريطانيا في القرن التاسع عشر وحصل التضخم، لكن هذه النظرية بقيت مجرد أفكار عامة إلى أن جاء الاقتصادي الأمريكي إرفينج فيشر وصاغ معادلة النظرية عام 1917م وعرفت باسم معادلة التبادل أو معادلة فيشر كما يلي:
M . V = T . P
حيث ترمز:
M = كمية النقود.
V = سرعة التداول النقدي.
T = كمية المبادلات.
P = المستوى العام للأسعار.
والمعادلة بهذه الصيغة ليست سوى بديهية من بديهيات الحساب، أي توضح بأن كميات النقود مضروبة بسرعة التداول تساوي لكميات المبادلات مضروبة بالمستوى العام للأسعار، أي كمية النقود هي متغير مستقل والأسعار متغير تابع، بينما سرعة التداول وحجم الإنتاج اعتبرتها النظرية متغيرات مستقلة، أي استطاعت النظرية أن تصل إلى فكرة مفادها «كلما ازدادت كميات النقود أدى ذلك لزيادة الأسعار» أي العلاقة طردية بين كميات النقود والأسعار، وبالمقابل يؤدي انخفاض كميات النقود لانخفاض المستوى العام للأسعار.
مما يعني أن مستوى الأسعار يتأثر بكميات النقود لأنه إذا ازدادت الكميات المنتجة وبقيت النقود على حالها تنخفض الأسعار، وبالمقابل إذا زادت كميات النقود وبقيت كميات التبادل نفسها ترتفع الأسعار.
شرح رموز النظرية
• كمية النقود (M)
يقصد بكمية النقود «مجموع النقود المتداولة خارج الجهاز المصرفي خلال فترة زمنية معينة (سنة) في الاقتصاد الوطني».
وتتكون النقود من العناصر التالية:
1 ـ كمية النقود المعدنية والورقية المصدرة (التي يصدرها المصرف المركزي).
2 ـ الودائع تحت الطلب: ويقصد بها الحسابات الجارية التي يودعها الأفراد لدى المصارف التجارية ويجري عليها حركة يومية (سحب ـ إيداع).
3 ـ الودائع الآجلة وودائع التوفير وهي مبالغ يودعها الأفراد لدى المصارف بقصد الاستثمار والحصول على منافع من وراء إيداعها.
وترتبط كمية النقود الكتابية (الودائع بكافة أنواعها) بالتطور الاقتصادي الحاصل في كل دولة وفي توجهات السياسة النقدية بزيادة أو تخفيض حجم النقد في الاقتصاد حيث تسعى المصارف دائماً لزيادة حجم النقود الكتابية فتزداد حركة تعاملاتها لكن المصرف المركزي هو الذي يقيد هذه الحركة من خلال الاحتياطي القانوني الذي يفرضه على المصارف التجارية.
إن كمية النقود في أي اقتصاد ترتبط بحجم الناتج القومي من جهة وباتجاهات السياسة النقدية على زيادة أو تخفيض حجم النقد في الاقتصاد من جهة ثانية استناداً لحالة الاقتصاد من ركود أو رواج.
• سرعة التداول النقدي (V)
يقصد بسرعة التداول كما عرفها فيشر بأنها عدد المرات التي تنتقل فيها وحدة النقود من يد إلى أخرى خلال فترة زمنية.
أما سرعة تداول نقود الودائع فهي عدد المرات التي تدخل وتخرج فيها الحسابات المصرفية، ويرى فيشر أن سرعة تداول النقود ثابتة فهي مستقلة عن كميتها ولا تتأثر بها، فليس هناك في رأيه ما يدعو للاعتقاد بأن سرعة تداول النقود عند زيادة كمية النقود سوف تزداد أو تنقص بانخفاض كمية النقود.
أي تتوقف سرعة التداول على مجموعة من العوامل أهمها:
1 ـ طريقة دفع الرواتب والأجور في القطاعين العام والخاص (شهرياً ـ سنوياً ـ أسبوعياً) فإذا كانت شهرياً هذا يعني 12 دورة، أسبوعياً 52 دورة..
2 ـ كثافة السكان كلما ازداد عدد السكان يزداد الطلب على النقد، لكنه يلاحظ في الدول الفقيرة رغم زيادة عدد السكان تنخفض دورات النقد.
3 ـ الأعمال التجارية: كلما ازدادت الحركة التجارية البيع والشراء كلما ازداد عدد الدورات التجارية، وبالمقابل إذا حصل الركود تنخفض عدد الدورات التجارية.
4 ـ سرعة إنتاج وتصريف السلع والخدمات: إن إنتاج السلعة وتوزيعها وتبادلها إلى الاستهلاك تعتبر دورة، وبالتالي كلما انخفض زمن الإنتاج والاستهلاك تزداد الدورات، إن دورة المواد الغذائية قد تصل إلى 52 دورة بينما في صناعة البواخر قد تكون دورة واحدة (إنتاج باخرة واحدة في السنة).
5 ـ سرعة وسائل الاتصال والمواصلات: كلما ازدادت وتطورت وسائل الاتصال كلما أدى ذلك لطلب النقد وإنفاقه، وكلما تطور النقل يزداد الاستهلاك والإنفاق وبالتالي تزداد عدد دورات النقد في الاقتصاد.
6 ـ عادات الدفع: ويقصد بها طريقة دفع الديون ودفع أثمان السلع بهدف التجارة وتسديد ثمن المشتريات نقداً أم تقسيطاً.
• كمية المبادلات (T)
ويقصد بها: مجموع السلع والخدمات المنتجة التي يتم التعامل بها بالنقود، أي تم بيعها وشراؤها خلال فترة السنة، ويضيف بعض الاقتصاديين الأوراق المالية وبالتالي تصبح كمية المبادلات «مجموع السلع والخدمات المنتجة والأوراق المالية التي يتم التعامل بها بالنقود خلال فترة معينة».
وتتوقف كمية المبادلات على العوامل التالية:
1 ـ كمية الموارد الاقتصادية التي يملكها المجتمع، فالمجتمع الذي يمتلك موارد كثيرة مثل المواد الأولية والمواد الزراعية والثروات الباطنية يكون لديه إمكانيات كبيرة للتصنيع وبالتالي زيادة كمية المبادلات بينما المجتمع الذي لا يملك الموارد تنخفض لديه الإمكانيات وينخفض حجم المبادلات.
2 ـ حجم الإنتاج: ويقصد به جميع المنتجات والخدمات التي ينتجها المجتمع خلال سنة فكلما ازداد حجم الناتج سوف تزداد المبادلات، وبالمقابل إذا انخفض الإنتاج سوف ينخفض حجم المبادلات ويتوقف حجم الناتج على الموارد التي يمتلكها المجتمع وعلى الأيدي العاملة وحركة التصنيع والاستيراد والتصدير وعدد السكان وغيرها من العوامل الاقتصادية.
3 ـ الكفاية الإنتاجية: ويقصد بها قدرة المجتمع على زيادة الإنتاج وتخفيض النفقات من نفس الموارد التي يمتلكها، وتتوقف الكفاية الإنتاجية على أساليب الإنتاج المتبعة وعلى التقانات المتطورة، فكلما تطورت الآلات والتقانات كلما ازداد الإنتاج وازدادت الإنتاجية.
إن هذه العوامل تساهم في زيادة الإنتاج والإنتاجية وتظهر منتجات جاهزة للبيع وهذا الأمر يتطلب وجود طلب بالمقابل لتصريف هذه المنتجات، لأنه إذا انخفض الطلب يحصل الكساد ولا تباع السلع والخدمات وبالتالي تنخفض دورة النقد في المجتمع وتختل معادلة كمية النقود التي تحدث عنها فيشر.
• مستوى الأسعار (P)
يقصد بالمستوى العام للأسعار «نسبة مئوية تعبر عن تطور الأسعار صعوداً أو هبوطاً وذلك من خلال المقارنة بين السنة المدروسة وسنة الأساس».
يقوم الإحصائيون بحصر أسعار السلع في سنة الأساس ونسبها إلى 100% ثم دراسة الأسعار في العام القادم أو بعد سنتين أو خمس سنوات وتحديد معدلات الزيادة أو الانخفاض في الأسعار، كما مر معنا في قيمة النقود والمستوى العام للأسعار سابقاً.
لقد حددت النظرية العلاقة بين كمية النقود والأسعار بالعلاقة العكسية، أي كلما ازدادت كميات النقود ازدادت الأسعار وحصل التضخم، وبالمقابل إذا انخفضت كميات النقود انخفضت الأسعار وحصل الركود. أي أن النظرية الكمية درست علاقة النقود بالأسعار ووصلت إلى هذه النتائج دون الأخذ بعين الاعتبار لسرعة التداول النقدي وكميات الإنتاج.