الأسرة هي نموذج للحياة المنسجمة التي تترك آثارها في أفرادها ولكنّ هذا الانسجام قد يتعرّض لتحديات وخلافات تهدد وحدتها واستقرارها وقدرتها على تحقيق الأمان لأفرادها.
فكيف تحقق الأسرة الأمان لأفرادها؟ وما الخلافات التي تواجهها؟ وكيف يمكن حلّها؟
أهمية الأسرة
الأسرة عبارة عن نموذج مصغّر للأمّة تظهر فيها القيم الإنسانيّة التي تقود المجتمع وتحركه فهي ليست مجرّد وسيلة لتجديد المجتمع والمحافظة على بقائه فحسب وإنّما تعمل على إشباع الحاجات الأساسية الماديّة من طعام ولباس ومأوى والمعنوية من حبّ وانتماء وعطف لأفرادها ففيها يتعلّم الأبناء القيم والمهارات والتي تبقى جزءاً من شخصياتهم ،وتؤثّر في مسيرة حياتهم ومع ذلك فإنّ هذا لا يجنّبها حدوث بعض الخلافات بين أفرادها والتي قد تؤثر سلباً على تماسكها واستقرارها.
أشكال الخلافات الأسريّة
يُعدّ الخلاف ضمن الأسرة الواحدة ظاهرة طبيعية موجودة في مختلف المجتمعات، وقلّما تخلو أسرة منها وله أشكال مختلفة نذكر منها:
الخلاف بين الزوجين
وهو خلاف يحدث لعدة أسباب منها عدم التزام الزوجين بالأدوار المنوطة بهما والتي تتعلّق بالواجبات والالتزامات التي يتحملّها الطرفان لبناء أسرة متماسكة.
وللتباين في المستوى الثقافي والفكري والعمري بين الزوجين أثر في تكبير الخلاف الأسري فهو يؤدي إلى صعوبة التفاهم بينهما كما أن تدني المستوى المعيشي للأسرة قد ينعكس على تماسك الأسرة وهذه الأسباب تؤدي إلى ضعف علاقات المودة والاحترام بين الزوجين والخلل في علاقتهما بالأبناء من خلال إهمالهم وعدم الاكتراث لشؤونهم فيحدث الطلاق الذي يؤثر سلباً في الأبناء فينعدم تركيزهم في المدرسة ويعانون من التشتت الذهني كما أن الطلاق يؤدي إلى عواقب تتراوح من انحياز الطفل إلى أحد الطرفين إلى انضمام أشخاص آخرين إلى الأسرة كزوج الأم وزوجة الأب والأخوة من زوج الأم أو الأخوة من زوجة الأب وهو الأمر الذي يؤدي إلى انقسامات حول الموارد المالية والعاطفية.
الخلاف بين الآباء والأبناء
إنّ شعور الأبناء أنهم قادرون على مواجهة الظروف الحياتية وحلّ المشكلات التي تعترضهم بأنفسهم قد يجعلهم غير قادرين على تقبّل آراء آبائهم ورفضها وفي الوقت ذاته فإن انعدام ثقة الأهل بإمكانات أبنائهم يدفعهم إلى فرض آرائهم على أبنائهم بطريقة قسريّة تأخذ أحياناً شكل العنف الجسديّ أو النفسيّ.
كما تؤدي محبّة الآباء المبالغ فيها للأبناء وحرصهم عل تجنيبهم الأخطاء إلى حرمان أبنائهم متعة الاكتشاف واكتساب الخبرة والمهارة كلّ ذلك يدفع بعضهم إلى الهروب من المنزل بدافع البحث عن الاستقلالية وإثبات الذات الأمر الذي يمكن أن يعرّضهم لانحرافات سلوكية تدمّر طاقاتهم وقواهم العقلية كالإدمان والجنوح والجريمة.
الخلاف بين الأبناء
قد ينشأ هذا النوع من الخلاف نتيجة تمييز الآباء أحد الأبناء على حساب إخوته مما يجعله محباً للسيطرة والتملك والتحكم بإخوته الأمر الذي يؤدي إلى نشوء الكراهية والحقد والحسد بين الأخوة كما يؤدي الفارق التعليمي والثقافي والمادي الكبير بين الأخوة إلى صعوبة التواصل فيما بينهم وأحياناً انعدام هذا التواصل.
كما أنّ العادات والتقاليد البالية والقديمة تدفع بعض الذكور إلى التحكم بأخواتهم الإناث وفرض سيطرتهم عليهن.
أهمية الحوار ودوره في انسجام الأسرة وتماسكها
إنّ المشكلات الأسريّة يمكن أن تزول إذا ساد الوعي جوّ الأسرة واعتادت على حلّ مشكلاتها بطريقة الحوار ،فالحوار ثقافة تتطلب الوعي والجرأة في طرح الأفكار بكلّ ما فيها من رغبات ومخاوف للوصول إلى قناعة مشتركة بين الطرفين والحوار الناجح يرتكز على أسس متعددة كتقبل رأي الآخر والإصغاء الجيد وضبط النفس والوضوح فهو يقوي العلاقة بين الزوجين ويمتّن الروابط الأسريّة ويقي الأبناء المشكلات السلوكية ويعزز الثقة بالنفس ويصحّح المفاهيم الخاطئة ويجعل كل فرد يدرك مسؤولياته ودوره داخل الأسرة مما يجنبهم رفقة السوء ويحصنهم من السلوكيات الخاطئة ويجعل للآباء هيبة من غير تسلّط نابعة من حب الأولاد وتقديرهم لخبرة آبائهم.
وهكذا نجد أن الحوار الأسري له أهمية عظيمة فهو يعد مفتاح العلاقات الطيبة والحسنة بين الزوجين وبين الوالدين والأبناء وبين الأبناء مع بعضهم.