أجمعت أكثر المراكز البحثية والدراسات على أن أزمة عام 2008م هي الأسوأ منذ عام 1929م أزمة الكساد الكبير، وهي تتشابه معها في كثير من الأسباب والآثار.
آثار الأزمة المالية
نتج عن هذه الأزمة الآثار التالية:
1 ـ بلغت خسائر الأسواق المالية خلال شهر أكتوبر 2008 حوالي 8,3 تريليون دولار وتزايدت في الأشهر اللاحقة لتصل إلى 30% من حجم الناتج العالمي أي قدرت خسائر الأسواق بحدود 18000 مليار دولار، أي يصل عدد المتضررين من هذه الخسائر إلى 250 مليون مستثمر خسروا ثرواتهم أو نصف ثرواتهم أو جزءاً منها مما أدى لزيادة عدد الفقراء.
2 ـ هبوط حجم المؤشرات المالية بحدود 37,5 ـ 45% بشكل وسطي في أكثر دول العالم هذا يعني أن الخسائر تصل إلى 50% من حجم البورصات العالمية.
3 ـ هبوط حجم الناتج العالمي بحدود 30 ـ 40% أي سوف يتراجع الناتج العالمي بحدود 20 تريليون دولار عام 2009 وسوف يتراجع معدل النمو الاقتصادي إلى 2,2% كما يتوقع صندوق النقد الدولي في تقاريره المستمرة في مرحلة ما بعد الأزمة.
4 ـ زيادة أعداد العاطلين عن العمل في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا 9 ـ 10% ويتوقع الزيادة إلى 12% وفي بعضها إلى 15% بينما ستصل معدلات البطالة في الدول النامية إلى 25% نظراً لانخفاض الطلب العالمي على المواد الأولية التي تنتجها هذه الدول.
5 ـ زيادة أعداد الفقراء كما توقع صندوق النقد الدولي في الولايات المتحدة إلى 15% من عدد السكان بعد أن كان 12,5% قبل الأزمة أي سيصل عدد الفقراء إلى 45 مليون مواطن، بينما سيصل العدد في العالم ككل إلى مليار مواطن.
6 ـ هبوط أسعار المواد الأولية وحتى الصناعية في العالم بنسبة 30% بشكل وسطي في حين وصلت بعض السلع إلى 50% وهذا ما يؤكد التشابه مع أزمة 1929، حيث وصل النفط إلى 30 دولاراً ثم عاود الارتفاع إلى 75 دولاراً.
7 ـ إفلاس العديد من المصارف والمؤسسات المالية الكبيرة في العالم حيث وصل عدد المصارف التي تعرضت للإفلاس إلى 72 مصرفاً في الولايات المتحدة وإلى 20 مصرفاً في بريطانيا وحوالي 70 مصرفاً في أوروبا، كما تعرضت أكبر شركة سيارات في العالم للإفلاس جنرال موتور وتعرض حوالي 30% من حجم الشركات في العالم للإفلاس وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة مما أدى لزيادة أعداد العاطلين عن العمل.
8 ـ تراجع حجم الصادرات وخاصة في الصين ودول جنوب شرق آسيا إلى أوربا والولايات المتحدة الأمريكية بمعدل 50% أي توقفت بعض الشركات تماماً عن الإنتاج بسبب تراجع حجم الطلب العالمي الأمر الذي أدى لزيادة أعداد العاطلين عن العمل مما يذكر بأزمة عام 1997 عندما توقفت الصادرات الآسيوية إلى أوربا والولايات المتحدة.
إن هذه الآثار توضح بشكل لا لبس فيه دخول الاقتصاد العالمي في نفق الركود الذي يتوقع له أن يستمر حوالي خمس سنوات اعتباراً من عام 2008م.
الحلول النقدية للأزمة
أدت الأزمة إلى تراجع حجم الإنتاج المادي وتراجع أسعار الأسهم والمضاربات في أسواق المال وزيادة معدلات البطالة وتراجع حجم الاستهلاك وتراجع حجم الاستثمار أو شبه توقف للاستثمار.
ثمة من كان متفائلاً فقد صرح الرئيس الأمريكي بأن ضخ 700 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي سوف يوقف الأزمة، لكن ذلك غير ممكن في علم الاقتصاد لأن الأزمة الاقتصادية هي جزء من دورة اقتصادية، والدورة الاقتصادية تقاس بالزمن، خمس سنوات ـ فالاقتصاد يمر بدورة متفائلة خمس سنوات تعقبها دورة متشائمة خمس سنوات أو (رواج ركود) بشكل مستمر.
إن الإجراءات النقدية الواجب اتخاذها بخصوص هذه الأزمة، لا توقف الأزمة، بل تخفف من الانهيارات واندفاع الاقتصاد إلى الكساد الذي هو مرحلة أسوأ من الركود.
قامت الدول بمجموعة من الإجراءات لوقف هذا التدهور وأهم الإجراءات النقدية لوقف الانهيارات والتدهور هي:
1 ـ تخفيض سعر الفائدة:
وهذا ما قامت به الحكومات الأوروبية والأمريكية فوراً فقد وصل سعر الفائدة عالمياً وفي أكثر الدول إلى حالة الصفر أي لا يوجد فائدة على الإيداع أو الاقتراض ومع ذلك لم يتحرك الطلب على النقد لأن الإنتاج في حالة تراجع ولم يتوقف تراجع الطلب الكلي والإنفاق الكلي في الاقتصاديات المتقدمة، بل ما زال في حالة الانهيار لذلك لم تفلح سياسة تخفيض سعر الفائدة في تشجيع الطلب على الاستثمار، سياسة غير مجدية لكنها ضرورية في مثل هذه الظروف.
2 ـ زيادة عرض النقد:
قدمت المصارف المركزية في الدول المتقدمة وأيضاً النامية بمنح القروض للمصارف التجارية لتحقيق هدفين معاً:
أ ـ قدمت المصارف المركزية الأموال للمصارف التجارية لوقف الانهيارات وتعرضها للإفلاس.
ب ـ قدمت القروض للمصارف التجارية لكي تزداد قدرتها على منح الائتمان للشركات الصغيرة والمتوسطة أو حتى الشركات الكبيرة التي احتاجت للأموال والسيولة.
3 ـ قدمت الحكومات القروض والمساعدات المالية للشركات الكبيرة والمصارف الكبيرة:
لأن انهيار شركة عملاقة قد يجر وراءها انهيار عشرات الشركات، فقد قدمت الولايات المتحدة دعماً لشركة التأمين العالمية AEG بحدود 85 مليار دولار كما وقدمت دعماً لمؤسستي (فريدي ماك) و (فيني ماي) بحدود 200 مليار دولار، ووضعتهما تحت وصاية الحكومة للحماية من الإفلاس. ودعمت بعض المصارف وغيرها، وقدمت أوروبا دعماً للمصارف بالتعهد بدفع الودائع في حال تعرض أي مصرف للإفلاس، واشترت دول أوربية حصصاً في المصارف لوقف التدهور.
4 ـ زيادة حجم الإنفاق العام:
كسياسة مالية لدعم السياسة النقدية وذلك بحدود 700 مليار دولار في الولايات المتحدة الأمريكية، وبحدود 1200 مليار دولار في أوربا وحوالي 600 مليار دولار في اليابان لدعم الإنفاق الكلي بحيث يمكن أن تكون بمثابة جرعة في الطلب.
إن هذه الإجراءات المالية والنقدية لم توقف الانهيارات في أسواق المال لكنها أوقفت انهيار النظام الرأسمالي الذي كان متوقعاً حتى أن المؤتمرات ركزت في عام 2008 ـ 2009م عن بديل للنظام الرأسمالي، لكنه صمد بفضل هذه الجرعات في الطلب.