تعد نظرية الإدارة البيروقراطية جزءا لا يتجزأ من المدرسة الكلاسيكية في الإدارة.
أولا : ماهية الإدارة البيروقراطية
يعود الفضل في إرساء قواعد نظرية الإدارة البيروقراطية إلى عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، وقد هدف فيبر من وراء هذه النظرية إلى وضع مجموعة من الأسس والمبادئ الإدارية التي تمكن من خلق تنظيم إداري قوي يمكن من رفع الكفاءة الإنتاجية من خلال الاستخدام الأمثل لعناصر الإنتاج المتاحة بهدف تطبيقه في المنظمات الكبيرة الحجم كالأجهزة الحكومية لكي تتمكن من منافسة منظمات القطاع الخاص.
وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم البيروقراطية من وجهة نظر ماكس فيبر يختلف تماما عن المفهوم الشائع لها حاليا ، ففي عصرنا الراهن يقصد بالبيروقراطية التعقيد أو الروتين أو ما يسمى صراحة بحكم المكاتب، أما البيروقراطية عند فيبر فتعني ذلك التنظيم الإداري القوي الذي يقوم على أساس التخصص العلمي الدقيق والابتعاد عن العوامل الشخصية والعاطفية.
ثانيا : خصائص التنظيم البيروقراطي
يرى فيبر أن التنظيم البيروقراطي المثالي يجب أن يتصف بالخصائص الآتية :
1- التخصص الوظيفي :
يجب أن يقوم التنظيم البيروقراطي على أساس التخصص، وتقسيم العمل بحيث تتخصص كل وظيفة أو إدارة بأداء مهام محددة وثابتة منعاً للازدواج في الأعمال أو التضارب فيما بينها.
2- توزيع العمل بناء على التخصص :
يجب على الإدارة أن توزع الأعمال على العاملين بالشكل الذي يتناسب مع تخصصاتهم ومؤهلاتهم؛ أي وضع الشخص المناسب في المكان الوظيفي المناسب لمؤهلاته وتخصصه حتى يتمكن كل فرد من إنجاز المهام الموكلة إليه وتحقيق الإبداع فيها.
3- تسلسل السلطة الرئاسي :
يجب أن يقوم التنظيم البيروقراطي على أساس التدرج الوظيفي الذي يوضح العلاقات بين كافة المستويات الإدارية من أعلاها إلى أدناها، كما يجب على جميع العاملين الالتزام بهذا التدرج وعدم الخروج عنه حفاظا على وحدة التنظيم.
4- اختيار الموظفين وفق معايير واضحة وموضوعية :
يجب اختيار الموظفين بعد القيام بإعداد وصف كامل لكل وظيفة وللمهارات والقدرات المطلوبة من المرشح لها، على أن يتم الاختيار عن طريق المسابقة لضمان تكافؤ الفرص، مع تحديد معايير موضوعية ومعلنة للترقية وقواعد تكفل عدم التسريح الكيفي للعاملين.
5- تحديد طرق الأداء وضوابطه :
يجب أن يعتمد التنظيم البيروقراطي على طرق وأساليب إنتاجية وتنظيمية محددة مسبقا يجب على الجميع الالتزام بها من أجل تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة وهذه الطرق والأساليب يجب أن توضع بناء على قواعد ومعايير موضوعية وبعيدة عن هؤلاء الاعتبارات الشخصية.
6- التدوين الكتابي :
ويقصد بذلك إصدار جميع الأوامر والتعليمات المتعلقة بتنفيذ العمل وتوزيع المهام والصلاحيات بشكل كتابي والاحتفاظ بها في ديوان خاص للرجوع إليها عند الحاجة، الأمر الذي يمكن من كشف الانحرافات والمسؤولين عنها تمهيداً لمحاسبتهم أو مكافأتهم حسب الانحراف وإن كان سلبياً أو إيجابيا.
7- الاحتراف الوظيفي وتدعيم كفاءة الموظفين :
يؤكد فيبر على ضرورة شغل المراكز الوظيفية في التنظيم البيروقراطي بفئة مهنية محترفة للعمل الإداري، وتمتاز بالخبرة والكفاءة العالية، وذلك لضمان سلامة عملية اتخاذ القرارات الإدارية وتحقيق أهداف التنظيم البيروقراطي، كما طالب بضرورة تدعيم عملية الاحتراف الوظيفي من خلال اتباع أساليب النوعية والتدريب الملائمة للطرق الإنتاجية المستخدمة والأساليب الإدارية الحديثة وتحقيق الاحترام المتبادل بين الإدارة والعاملين، وتأمين الاستقرار الوظيفي لهم الأمر الذي يزيد من ولاء الموظف لمنظمته وعمله ويدفعه للإخلاص والتفاني في سبيل تحقيق أهدافها.
ثالثا : الجوانب الإيجابية للإدارة البيروقراطية :
على الرغم من التشويه الكبير الذي لحق بمفهوم البيروقراطية في وقتنا الراهن، نتيجة الممارسات الخاطئة للأفراد عند تطبيق الأنظمة البيروقراطية، فإنه لا يمكن إغفال جوانبها الإيجابية وهي :
1- القيم الإنسانية :
يقوم التنظيم البيروقراطي وفق نموذج ماكس فيبر على إرساء مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص سواء في ما يتعلق باختيار العاملين وأسلوب التعامل معهم أم في ما يتعلق بالسلوك تجاه المتعاملين مع التنظيم البيروقراطي.
2- علاقات العمل :
تقوم العلاقات بين الرئيس والمرؤوسين في النظام البيروقراطي النموذجي على عدد من القواعد الثابتة التي تتصف بالموضوعية والابتعاد عن العنصر الشخصي، وهي محددة بأدق التفاصيل لتشكل التزاماً متبادلاً بين الطرفين.
3- الأمان الوظيفي :
يضمن التنظيم البيروقراطي من خلال الأنظمة والقوانين النافذة في مجال العمل فيه للموظف الاستقرار في عمله ما دام يقوم بواجباته المفروضة عليه من دون خلل أو انحراف، مما يولد للعاملين نوعاً من الارتياح النفعي يدفعهم لزيادة إنتاجيتهم.
4- الحصانة الوظيفية :
يتمتع العاملون في التنظيم البيروقراطي النموذجي بالحصانة الوظيفية، الأمر الذي يساعد العاملين على القيام بمهامهم على الوجه الأكمل من دون التعرض لأية ضغوط سياسية أو أية ضغوط أخرى.
5- التغيير :
يقوم التنظيم البيروقراطي النموذجي على مجموعة من الأسس والقواعد ذات الاستقرار النسبي، الأمر الذي يضمن عدم حدوث أية تغيرات جوهرية فيه مهما حدث من تغيرات في نظام الدولة أو في الفكر السياسي لها.
6- البنيان التنظيمي الهرمي :
يقوم البنيان التنظيمي البيروقراطي على أساس تدرج هرمي إذ يتقيد كل مستوى في الهرم بالقواعد والتوجيهات الصادرة عن المستوى الأعلى، الأمر الذي جعل التنظيم البيروقراطي يتقدم على كل التنظيمات الإدارية السابقة له ويجعله محط أنظار الإداريين في تلك الفترة.
رابعا : الجوانب السلبية للإدارة البيروقراطية
على الرغم من أن ماكس فيبر يرى أن النموذج البيروقراطي الذي وضعه يعد من أكثر التنظيمات الإدارية رشادا في ظل الظروف التي كانت سائدة في عصره من حيث الابتعاد عن العوامل الشخصية والعاطفية، إلا أن هذا النموذج لا يخلو من المساوئ والعيوب ومن أهمها ما يلي :
1- إن حلقات التسلسل الطويلة الناجمة عن التنظيم الهرمي للبيروقراطية تؤدي إلى إطالة الإجراءات، وإضاعة وقت الموظفين في المستويات المختلفة بأعمال متكررة لا حاجة لها في كثير من الأحيان.
2- إن اعتماد التنظيم البيروقراطي على القواعد واللوائح المكتوبة وضرورة اتباعها وتطبيقها بحرفيتها يؤدي إلى إضعاف روح المبادرة الفردية والاستسلام للواقع الراهن.
3- الجمود والروتين وانعدام المرونة في العمل بسبب التمسك الحرفي بنصية القوانين واللوائح الأمر الذي يجعل المنشأة غير قادرة على مواجهة المشكلات الطارئة أو غير المتوقعة.