توقف التعامل بقاعدة الذهب منذ عام 1944م و لكن مع ذلك نجد أن الأفراد مازالوا يريدون التعامل بعملات مرتبطة بالذهب و ذلك لكي يطمئنوا على مدخراتهم و ثروتهم ، من هنا نجد أن لقاعدة الذهب مزايا عديدة تجعلها مرغوبة إلى الآن و لكن كانت عوامل انهيارها أقوى من أن تبقى مستمرة.
مزايا قاعدة الذهب :
1- ثبات القوة الشرائية للنقود
يجب أن تتصف النقود بالثبات النسبي و ذلك لكي تقوم بوظيفتها كمقياس للقيمة و معيار للسعر الأمر الذي يؤدي إلى الإستقرار الإقتصادي، وبما أن كمية النقود في ظل قاعدة الذهب مرتبطة بالإنتاج من هذا المعدن ، وبما أن الإنتاج يتصف بالثبات لذلك استقرت قيمت النقود الذهبية فترة طويلة من الزمن، وانعكس ذلك إيجاباً على المستوى العام للأسعار.
2- ثبات أسعار الصرف
أخذ نظام الذهب الصفة العالمية ، و بما أن المعدن المصنوعة منه العملة أو الذي يغطيها هو الذهب نفسه فإن كمية الذهب الموجودة في كل عملة هي التي تحدد قيمة هذه العملة محليا و دوليا، واستنادا لذلك يتحدد سعر الصرف بين العملات الذهبية وفقا لما تحويه كل عملة من الغرامات الذهبية أو مايغطيها منه.
3- الإدارة التلقائية للنقود
اتصفت النقود الذهبية بالإدارة التلقائية نظرا لأن الإنتاج من الذهب قد تمتع بالاستقرار النسبي، وبالتالي كانت النقود تزداد بشكل بطيء وهذا الأمر لا يستدعي تدخل السلطات النقدية، لكنه عندما كانت النقود تزداد في الاقتصاد الوطني كانت الأسعار ترتفع بصورة تلقائية دون تدخل الدولة، وبالمقابل إذا انخفضت كمية النقود تنخفض الأسعار ويحصل الركود، وفي الحالتين لا داعي لتدخل الدولة في ظل قاعدة الذهب لرفع الأسعار أو تخفيضها، لأن النقود ترتفع لذاتها وتنخفض لذاتها فإذا زادت كميات الذهب انخفضت قيمة النقود وارتفعت الأسعار، وبالمقابل إذا نقصت كميات الإنتاج من الذهب تزداد قيمة النقود وتنخفض الأسعار.
ويعتقد أنصار قاعدة الذهب أن إدارة الإصدار على هذا الأساس تعفي السلطات النقدية من عبء التدخل المستمر في إدارة الإصدار وتجعل دورها قاصرا على الانقياد لحركات الذهب، إضافة إلى ذلك قد تتدخل السلطات لأمر ما وتقع في الخطأ فتؤثر على حالة الاقتصاد وعلى الأسعار والإنتاج والدخول، لذلك سوف يعفيها من هذا التدخل والأخطاء التي قد تقع فيها.
4- توفير الثقة بالنقد
يعتبر الذهب من أقدم أصدقاء البشرية، رافقها في جميع تصرفاتها الإنتاجية والاستهلاكية، وفي حالات الركود والتضخم، لذلك يصعب التخلي عن هذا المعدن بهذه البساطة أو السهولة، كما ونسج الأدباء والشعراء القصص والروايات حول هذا المعدن والكنوز، وورد ذكره في الكتب المقدسة التوراة والإنجيل والقرآن الكريم، لذلك ظهرت له هذه الصفة السحرية التي وصلت إلى مرحلة التقديس، أي يقف الأفراد بكل إجلال واحترام أمام هذا المعدن، خاصة الذين يكتنزونه.
إن هذه الأحداث تعني مزيدا من الثقة بهذا المعدن وقدرته على حل كافة المشاكل والصعوبات التي تواجه الأفراد، فهم يقبلون به كعملة في أي لحظة تعود الدولة لاستخدام الذهب في النقود أو تستخدمه غطاء ذهبيا إنه يتمتع بقبول عام في التعامل الداخلي والخارجي.
أسباب انهيار قاعدة الذهب :
تجمعت مجموعة من الأسباب أدت لانهيار نظام الذهب أهمها:
1- زوال عصر الحرية في التجارة الدولية:
إن الذهب يحتاج لحرية الاستيراد والتصدير لذلك انسجمت القاعدة الذهبية مع الحرية التجارية أما بعد الحرب العالمية الأولى فقد بدأت الدول الأوروبية وخاصة بريطانيا بالحد من الحرية الاقتصادية وحرية التجارة، وفضلت التعامل مع دول المستعمرات دون غيرها، وفرضت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على المستوردات، وبدأت القومية السياسية والاقتصادية تنمو الأمر الذي أضعف عمل قاعدة الذهب، فالإجراءات التي فرضتها الدول وإجراءات نظام السبائك حدا من تطور هذه القاعدة واستمرارها الأمر الذي أدى في النهاية لإيقاف التعامل بالنظام الذهبي.
2- عدم الاستقرار السياسي:
إن انتشار التكتلات السياسية أدى لظهور آثار سلبية على التعامل النقدي ونشوء سياسة الكتل النقدية بدلا من التعاون وتسهيل عملية الدفع فيما بين الدول مما أثر على آلية قاعدة الذهب وعلى آثارها الإيجابية فأصبحت الأجواء السياسية غير مناسبة لقاعدة تعمل في جو من الحرية والسماح بالاستيراد والتصدير دون قيود.
إن تدخل الحكومات بعد الحرب العالمية الأولى لمواجهة السياسات الصاعدة فيما بينها قد أضعف الشعور بقاعدة الذهب وحريتها أو أدواتها التلقائية في تحقيق التوازن والاستقرار.
3- سوء توزيع الذهب العالمي:
تجمع في الولايات المتحدة الأمريكية حوالي ضعفي احتياطي العالم من الذهب، وفي بقية العالم بقي المثل وبالتالي يصعب العودة لنظام الذهب بهذه الكميات البسيطة لذلك أقامت نظام السبائك الضعيف والذي لم يستطع الصمود كثيراً نظراً لأن تسوية المدفوعات يجب أن تتم بالذهب وليس بالنقود الورقية الأمر الذي ساعد على انهيار قاعدة الذهب والتوجه لنظام جديد.
4- التراجع عن أفكار المدرسة الكلاسيكية:
إن ظهور أفكار اللورد كينز بعد الكساد الكبير عام 1929 كان ثورة في عالم الاقتصاد، حيث أصبحت كل دولة بحاجة إلى استثمارات جديدة للحد من آثار الكساد وتنشيط الاقتصاد واتباع أساليب جديدة في الإدارة الاقتصادية، حيث وجدت الدول في نظرية كينز الحقيقة التي يبحثون عنها، لذلك تدخلت الدولة في الاقتصاد وتوقف عصر الحرية الاقتصادية، وبما أن قاعدة الذهب تقوم على عدم تدخل الدولة هذا يعني نهاية هذا النظام وبداية تشكل نظام نقدي آخر يقوم على قاعدة الورق وعلى دور متميز للدولة في التدخل بشكل مستمر وإصدار الكميات اللازمة بهدف تحقيق التشغيل الكامل.
5- تطور وعي الأفراد:
تطور وعي الأفراد و أصبحوا يقبلون بأي عملة تقوم بدور وسيلة للتبادل وأداة للدفع، أي تقوم بكل وظائف النقود، وتحقيق الاستقرار النسبي في الأسعار.
إن هذه النظرة قد ساعدت الحكومات على اعتماد النقود الورقية دون معارضة أو مقاومة الأمر الذي جعل منها المعادل العام ولاقت القبول العام بعد الحرب العالمية الثانية وأصبحت القاعدة النقدية المعتمدة حتى وقتنا الحاضر.