تحدثنا في مقال سابق عن المراحل المختلفة للنمو عند الأطفال بشكل عام ، حيث تمت الإشارة إلى خصائص كل مرحلة من المراحل الثلاثة (من الولادة حتى سن السادسة ، ومن سن السادسة حتى سن الثانية عشرة ، ومن سن الثانية عشرة حتى الثامنة عشر).
وفي هذا المقال سوف نتحدث بشكل مفصل فيما يخص المرحلة الأولى من حياة الطفل (من الولادة وحتى سن السادسة) لكي نتعرف أكثر معاً إلى أهم ما يميزها ، ومعرفة الآراء الشائعة والمغلوطة عن هذه المرحلة أيضاً ، والتي يتسبب الكثير منها في ارباك الوالدين وعدم فهمهم لأطفالهم والسلوكيات الصادرة عنهم.
في الواقع إن هذه المرحلة تنقسم بدورها إلى مرحلتين أساسيتين:
- من الولادة حتى سن الثانية.
- من سن الثانية حتى سن السادسة.
إن الرقم (1) يشير إلى بداية حياة الطفل والتي تتميز ببعض المميزات التي تختلف عن المرحلة اللاحقة في الرقم (2) والتي سنخصص لها أيضاً مقالاً منفرداً.
فعلى سبيل المثال: يمر الطفل أولاً في المرحلة رقم (1) بتغييرات كبيرة وفجائية، في شكله وجسمه، وحركته، ووزنه، وطريقة تعامله مع محيطه وما إلى ذلك.
فنجده أولاً لا يستطيع التمييز بين ذاته والمحيط الخارجي، لذلك يقوم بمص كل ما يقع تحت متناول يده، كما أنه يتعرف إلى العالم الخارجي عبر حاسة التذوق أولاً، بحيث تكون هي الحاسة الأنشط لديه، تليها حاسة اللمس، ولذا يحاول لمس كل شيء ووضعه في فمه.
كما يلاحظ أنه في الأشهر الأولى من ولادته لا يستطيع تثبيت عينيه كلتاهما على شيء محدد، فتجده أحياناً ينظر في كل عين باتجاه مختلف، أو أنه لا يستطيع تثبيت نظره عليك عندما تنظر إليه.
ومن إحدى الأشياء الطريفة والرائعة في نفس الوقت، أن المولود يحمل رائحة تُخلق معه، تقوم بمهمة جذب من هم حوله إليه، ولذا تجد نفسك مولعاً في التقرب منه وتقبيله واحتضانه وما إلى ذلك…
بالطبع إن الخصائص الجسدية لكل مرحلة من المراحل كثيرة جداً، ولا يمكن حصرها، ولكن ما يهمنا هو إلقاء نظرة عليها، لنتمكن من الانتقال إلى الخصائص النفسية والاجتماعية لدى الطفل، وهو الأمر الذي يهمنا أكثر.
تشير الكثير من الدراسات في هذا المجال أن الطفل يبداً في السمع منذ أن يكون جنيناً في بطن أمه، ولذا فإنك إن خاطبته فهو يستمع لك، كما إذا استمرت الأم أو الأب في تشغيل أنواع معينة من الموسيقى، فإنها تتركز في منطقة اللاوعي في عقل الطفل، ويكبر ليحب غالباً هذا النمط أو ذاك من هذه الموسيقى!.
لذا وحتى إن لم يكن يستطيع التعبير عن نفسه، فهو يسمع ويرى ويقوم بتخزين كل شيء من حوله.
وما يهمنا حقيقة في هذه المرحلة هو النمو العاطفي والعقلي للطفل، وما يرتبط بهما من قدرته اللاحقة على تكوين القرارات الخاصة به، وتكوين علاقات جيدة مع الذين يحيطون به، وقدرته على الثقة بنفسه، وغيرها.
حيث إنه يمتص كل ما يسمعه ويراه من تفاعلات وأحاديث تدور حوله بين المحيطين به، وخصوصاً أفراد العائلة، وهنا يخطئ الوالدان باعتباره صغيراً ولا يعلم ما يدور حوله، وفي الحقيقة برغم أنه لا يستطيع التعبير عن ما يراه، وكذلك لا يستطيع لاحقاً تذكره عندما يكبر؛ لكنه يخزنه في اللاوعي الخاص به، ويتصرف حينما يكبر بنمط معين، وهو لا يدرك لماذا يتصرف بهذا الشكل، لكن الأمر يعود إلى المرحلة الأولى من حياته.
وكمثال على ذلك، إذا كانت الأم تُرضِع طفلها في كل مرة بتوتر وغضب (بالترافق مع تكرار هذه الأنماط من السلوك دوماً أمامه) فتغلب عليه هذه الصفات لاحقاً، لكن دون أن يدري لماذا هو على هذا النحو؟!
وسوف تدرك أهمية الست سنوات الأولى من حياة الطفل بشكل أكبر في المقال اللاحق الذي يتناول المرحلة رقم (2).