إن وجودنا على سطح الأرض مرتبط بشكل أساسي بالنباتات الخضراء التي تقوم بواسطة عملية البناء (التركيب) الضوئي بوظيفة مهمّة و عظيمة جدّاً ألا وهي تحويل المواد غير الحية إلى مادّة حيّة ، حيث تعتبر الأشجار ذات النباتات الكثيفة و الضخمة مصنع طبيعي هائل لتحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كيميائية ، فهي تقوم بامتصاص غاز ثنائي أوكسيد الكربون CO2 و إطلاق غاز الأوكسجين كما هو معروف لدى الجميع.
أثبتت الدراسات العلمية أنّه يمكن لأشجار الغابات أن تثبّت قرابة 40 مليار طن من الكربون سنوياً ، و هذه الطاقة المُنتجة و المُدخّرة يتم استهلاكها من قبل كافة الحيوانات عن طريق السلاسل الغذائية ، لأنّ مثل هذه الكائنات تكتفي بتحويل المادة الحية التي كوّنتها النباتات في أوراقها الخضراء إلى مواد أُخرى لبناء أجسامها على عكس النباتات تماماً التي تقوم بصناعة الحياة و تقديمها للكائنات الحيّة الأُخرى.
وجود الغطاء النباتي يعزّز وجودنا و استمراريّتنا نحن البشر ، فيتجلّى ذلك و يظهر واضحاً من خلال الفوائد الطبيعية و البيئية لهذا الغطاء الذي يحمي التربة من التدهور و الانجراف ، و يحسّن بنية التربة، و يزيد خصوبتها و قدرتها على الاحتفاظ بالمياه ،حيث نجد أن الغطاء النباتي الغابوي يستقبل الأمطار الهاطلة و يسمح لها بالنفاذ إلى داخل فراغات التربة لتستفيد منها مياه الينابيع والمياه الجوفية ، وبالتالي تكون أراضي الغابات غنية بالينابيع.
فضلاً عن ذلك يكون المناخ داخل الغابات أكثر اعتدالاً مقارنةً مع مناخ المناطق الخالية من الأشجار، حيث تساهم النباتات داخل الغابة برفع الرطوبة الجوية نتيجة إطلاقها لكميّات هائلة من بخار الماء في الهواء ، و بالتالي فهي تعمل على خفض درجات الحرارة العظمى و رفع درجات الحرارة الدنيا.
و يمكن للغابات المتّسعة الأرجاء أن تزيد من كميّات الأمطار الهائلة بفضل الكميات الكبيرة من بخار الماء المطروحة في الجوّ من قبل الأشجار عن طريق عملية التبخر و نتح المجموع الورقي.
تعتبر الغابات أيضاً حواجز طبيعية بوجه الرياح الشديدة ذات الخطر الكبير على المحاصيل الزراعية و الحقول ، فهي تقوم بصدّها و كسر حدّتها ، كما أنها تحمي القرى الجبلية من خطر الانهيارات الثلجية و تخفف من حدّة الفيضانات و انزلاقات التربة.
توجد الغابات على الأرض بصورة طبيعية ، فهي تكوّنت إثر عمليّات التعاقب المتتابعة عبر آلاف السنين ، فسادت الأشجار الضخمة و الكبيرة على الحشائش و الأعشاب نتيجةً لتفاعل الكثير من العوامل البيئية مع بعضها.
و لكن مع ظهور الإنسان و ازدياد نشاطاته و انتشاره على حساب الغطاء النباتي ، زادت الأخطار المُحدقة بالغابات ، و باتت تفقد سنويّاً ملايين الهكتارات نتيجة المهدّدات المختلفة من قطعٍ لأشجارها و كسرٍ لأراضيها ، إضافة إلى الكوارث الطبيعية من حرائق و براكين.
أمام كل هذه المخاطر كان لا بدَّ من إنشاء غابات اصطناعية بفعل الإنسان و من هنا ظهرت الحاجة لوجود علم يُعنى بزراعة الغراس الحراجية يُطلق عليه اسم ” علم المشاتل الحراجية”.
فما هو علم المشاتل الحراجية؟
يمكن تعريفه بأنّه العلم الذي يُعنى باستزراع أراضي الغابات و إنتاج الغراس الحراجية و اختيار الأصناف الملائمة لمواقع التشجير, و يتم ذلك كلّه ضمن مشاتل مخصّصة لهذه الغاية تسمّى “بالمشاتل الحراجية” لها مواصفات معيّنة ، و مساحات محددة فتكون تبعاً لذلك (صغيرة، متوسّطة، كبيرة)، كما يكون لها فترة استخدام معيّنة و بالتالي تُقسم حسب طول هذه الفترة إلى:
مشاتل مؤقّتة:
تكون ذات طاقة إنتاجية صغيرة نسبيّاً ، و يتم إنشاؤها عادةّ ضمن مشاريع التشجير لتأمين حاجة المشروع من الغراس و توفير نقل الغراس إلى الأرض الدائمة.
مشاتل دائمة:
ذات طاقة إنتاجية عالية ، تحتاج لتجهيزات و لوجستيّات ضخمة و منشآت ثابتة( مخازن, أبنية، شبكات ري….) و تحتاج أيضاً إلى جهاز من الموظّفين و العمّال الدائمين ، و بالتالي تكون كلفة الإنشاء و التشغيل عالية نسبيّاً.