كثيرةٌ هي المشكلات التي تعترض طريق النشاط الزراعي ، و لعلّ أبرزها التغيرات المناخية القاسية ، و الآفات و الأمراض التي تهاجم المحاصيل الزراعية ، بالإضافة إلى التصحّر و الجفاف و قلّة الأمطار.
تعد مشكلة المياه من أكثر المشاكل تأثيراً على الزراعة و الإنتاج الزراعي نظراً لارتباط هذا النشاط بشكل وثيق و اعتماده عليها ، فلولا المياه لن يكون هناك زراعة أصلاً . و أمام كل هذه التحدّيات برزت مشكلة خطيرة تهدد الإنتاج الزراعي تمثّلت في الزيادة السكانية الكثيفة التي لم يقدر الإنتاج الزراعي على تحمّلها و مواجهتها كلها.
فمن الهام رفع سوية الإنتاج الزراعي للوصول به إلى مستويات عالية ، تمكّنه من احتواء الاحتياجات الغذائية لسكّان الأرض ، و توفير كمية جيدة منه بما يضمن لهم البقاء جيلاً بعد جيل.
واجهت الزراعة تأثيراتٍ و أزماتٍ عديدةٍ أجبرتها على التغيّر و التأقلم مع الظروف المفروضة بغية التقليل من خطورة هذه الأزمات ، حيثُ جعلت نفسها أكثر مرونةً ، فتجاوزت الأساليب التقليدية البدائية و الاعتيادية ،لهذا تغيّر مفهوم الزراعة كليّاً من تأمين حاجة الفرد أو الجماعة إلى تأمين حاجة المجتمع و الأجيال الأُخرى أيضاً.
وهنا كان لا بد من خلق أنماطٍ زراعيةٍ جديدةٍ قادرةٍ على فرض نفسها بقوّة ، فبدلاً من التوسّع بالإنتاج الزراعي بشكلٍ أفقيٍّ بحيث يتم من خلاله زيادة الأعداد أو المساحات الإنتاجية على سبيل المثال: ( زيادة أعداد حيوانات المزرعة، زيادة مساحة الأراضي المزروعة..) تمّ اتّباع أسلوب التكثيف العمودي الذي يعدّ أكثر كفاءةً من الناحية الإنتاجية عن سابقه الأفقيّ.
و بمقارنةٍ بسيطةٍ بين هذين الأسلوبين أو الاتجاهين نجد أنّ أسلوب تكثيف الإنتاج الزراعي العمودي هو الأقدر على سد الاحتياجات الغذائية للسكان ، لأنّه يمكّن من زيادة الإنتاج في نفس وحدة المساحة أو دون الحاجة لزيادة الأعداد أو المساحات المزروعة ، يمكننا هنا طرح مثال بسيط يُتيح لنا فهم هذين الأسلوبين:
بفرض أنه لدينا مزرعة فيها 10 أبقار حلوب و 100 شجرة فاكهة تكفي لسد حاجة 5 أُسر. و لنتخيّل أيضاً أنّه زاد عدد الأُسر إلى 15 أُسرة ، و بالتالي أصبحت هذه المزرعة غير قادرة على سدّ هذه الحاجات جميعها. فلو أردنا اعتماد أسلوب التكثيف الأفقيّ لقمنا بزيادة المساحة المزروعة بالأشجار ليصبح لدينا 300 شجرة مثلاً، و زيادة عدد رؤوس الأبقار لتصبح 30 رأس ، و بالتالي نكون حقّقنا زيادة بالإنتاجية تغطّي احتياجات الأُسر الـ 15 من خلال زيادة المساحة المزروعة و الأعداد المُنتجة.
بينما نحن لا نقوم بمثل هذا فيما لو اتّبعنا أسلوب التكثيف العمودي ، وما كنّا سنقوم به هو استبدال الأعلاف المقدّمة للأبقار بأعلاف جيّدة الصفات و الخواص ، تؤمّن زيادة حتمية في إنتاج الحليب.
كذلك يمكننا الاعتماد على سلالات مُحسّنة من الأبقار يكون متوسّط إنتاجها السنوي من الحليب أعلى من تلك السلالات المحليّة.
أمّا بالنسبة للأشجار المثمرة فنضمن زيادة في إنتاجيّتها باعتماد أساليب الزراعة الحديثة من تقليمٍ منتظمٍ ، إلى اتّباع برامج التسميد و الريّ المنظّمة و الدقيقة ، و استخدام المكننة الزراعية على نطاقٍ واسعٍ في أعمال الحراثة و الري و المكافحة و الحصاد.