أشرنا في المقال السابق عن أهمية المرحلة الحياتية للطفل من الولادة حتى سن السادسة ، حيث إنها تشكل معظم أساسيات شخصيته ، ولا بد من الإشارة أيضاً في هذا السياق أن هناك خطأ شائع حول المرحلة التي يبدأ الطفل فيها بالشعور بمن حوله ، حيث إن هذه العملية تبدأ في الواقع منذ فترة الحمل ، بحيث يكون الجنين يستجيب للأصوات الخارجية ويقوم بالركل أحياناً عندما يخاطبه أحدهم.
كما أنه يشعر بضربات قلب أمه ، ويشعر بالكثير من الأمان داخل رحمها ، ومن هنا جاءت تسمية ( جنة الرحم ) ، لأنها تشبه الجنة الحقيقية بالنسبة له فعلاً ، بالإضافة إلى درجة الحرارة المناسبة في داخله.
وهذه إشارة بسيطة لحياة الطفل ما قبل الولادة قبل الحديث عن المرحلة رقم (2) وهي التي تمثل الجزء الثاني من المرحلة الكبرى من الولادة حتى السادسة من العمر.
هنا في هذه المرحلة يبدأ شكل جسم الطفل يتغير ولكن أبطأ قليلاً من المرحلة السابقة ، إلا أنه ورغم ذلك فهي تشهد تغييرات كبيرة أيضاً في مظهره ككل.
إلا أن ما يهم هو حالته العقلية والنفسية ، إذ يبدأ أولاً في اكتشاف أنه منفصل عن الآخرين وله ذات خاصة به ، ولذلك نجده يحاول تخريب كل شيء ، إذ ينبع ذلك من حاجتين : الأولى هي الاكتشاف ، والثانية هي محاولة إثبات الذات ، والفرحة لوجود مثل هذا الشعور بمسكه الأشياء ومحاولة إلقائها بعيداً ، فهو هنا يشعر أنه يُحدث فرقاً بالفعل في العالم الخارجي.
وهنا تجدر الملاحظة أن الطفل يبدأ شيئاً فشيئاً يكون مفاهيمه عن الحياة بشكل عام ، فنجده يطرح الأسئلة المختلفة على الكبار وخصوصاً الوالدين ، وهي ما تسمى (الأسئلة الحرجة) لأنها تشكل حرجاً فعلياً للأهل ، إذ إنه يسأل مثلاً عن خالق الكون ، وأين يوجد في هذه اللحظة ، ولما لا نراه ؟
كما يقوم بطرح الأسئلة عن الطريقة التي جاء هو نفسه بها إلى هذا العالم ، ولماذا يوجد اختلاف بينه وبين شقيقته من حيث شكل الأعضاء وما إلى ذلك من الأسئلة التي تمثل حساسية كبيرة في بعض المجتمعات ، في حين تُأخذ بروح مرحة في مجتمعات أخرى.
وهنا لا بد على الأهل مراعاة الإجابة البسيطة والتي تناسب عمر الطفل ، لكن دون تهويل الأمور ، واختراع أشياء غير حقيقية ، فمثلاً يمكن القول له أنه تكوّن في بطن أمه ، ومن ثم بدأ يكبر حتى وصل إلى مرحلة لم يعد بطنها يتسع له بعد ذلك ، فخرج إلى الحياة وما إلى ذلك من الإجابات المتعددة.
إن أهم ما يميز هذه المرحلة هو الاكتشاف ، وهو أمر بالغ الحساسية بالنسبة للطفل ، فهو لا يرى الخزانة مثلاً كما يراها البالغ ، بل هو ينظر إليها على أنها مكان فيه الكثير من الأشياء المثيرة للاهتمام ، ولا يرى كذلك منزل الجيران بنفس الطريقة التي اعتاد أهله رؤيته بها ، حيث يمثل بالنسبة للطفل مكاناً جديداً لا بد من التعرف عليه.
إلا أن معظم الأهل لا يعلمون كيفية التعامل مع مثل هذه السلوكيات التي يقوم بها الطفل ، نظراً لكونها تضعهم في موقف حرج مع أقاربهم أو جيرانهم الذين ذهبوا لزيارتهم مثلاً ، ويقومون بمنعه عن القيام بمثل هذه الأفعال ، لكنهم بهذا كمن يحاول منع إحدى النباتات من النمو بمحاولة الضغط عليها.
يجب على الآباء والأمهات أن يبذلوا جهداً أكبر من الآن فصاعداً لمحاولة فهم عالم طفلهم جيداً ، والتعامل معه على أساس هذا الفهم ، وليس التعامل معه كما يقول الآخرون أنه جيد أو سيء ، فعالم الطفل عالم متشعب جداً ولا بد من دراسته وبذل الكثير من الجهد لفهمه.