أكثر الأدباء في كتبهم والشعراء في أشعارهم من وصف طبيعة الأندلس و مناخها المعتدل وكانت قرطبة عاصمة الخلافة الأموية في الأندلس آنذاك كما وصفها الأدباء أم المدائن.
ونهرها أعظم أنهار الأندلس وبها القنطرة التي هي إحدى غرائب الأرض في الصنعة والإحكام وفيها منتزهات كثيرة وفيها أكارم الشجر من كل ناحية وفيها قصور فخمة تحيطها البساتين الغناء.
وبعد الفتح العربي الإسلامي للأندلس اختلط العرب والمسلمون بالإسبان سكان بلاد الأندلس الأصليين وكان من الإسبان من أسلم فأطلق عليهم اسم المستعربين وأثّر العرب على حياة الإسبان.
وحملوا إلى أهل الأندلس ومن حولها رسالة الدين الجديد ونقلوا إليهم عاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم كما تأثر العرب بحياة شعوب أهل الأندلس وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم ومسكنهم وملبسهم وأثرت هذه الحياة الجديدة للمجتمع الأندلسي على علاقة الرجل بالمرأة فنالت المرأة قدراً من الحرية.
وهذه الحرية سمحت للمرأة بالاختلاط بمجتمع الرجال وعلى الإسهام معهم في النهوض بالمجتمع الجديد في مختلف مدن الأندلس وظهرت شاعرات كثيرات ومن الطبيعي أن يكون للميسورة الحال منهم مجلس أدبي يرتاده أهل الثقافة والفكر والعلم والأدب والشعر والغناء فشكّلت في الأندلس ظاهرة حضارية عمت البلاد رغم أنّ القدماء لم يشيروا إلى هذه المجالس عدا مجلس ولادة بنت المستكفي.
نشأة ولادة بنت المستكفي وحياتها
ولدت ولادة في قرطبة عاصمة الخلافة الأموية في الأندلس ومقر الخلفاء والأمراء والوزراء حيث كان أهلها خليطاً من العرب والبربر والموالي واليهود والإسبان حوالي عام ألف وتسع سنين ميلادي.
وهي ابنة الخليفة الأموي محمد الثالث الملقب بالمستكفي بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن الناصر حفيد هشام بن عبد الملك عاشر خليفة أموي في دمشق أمها مولاة إسبانية.
نشأت ولادة في بلاط الخلافة حلوة بيضاء اللون حمراء الشعر زرقاء العينين أحبها أبواها ودللاها ومنحاها ما تحتاج إليه من عطف وحنان ورعاية ونشأت في قصر خلافة حافل بالخدم والجواري والمغنيات ومحاط ببستان رائع.
وأمامه بركة ماء تتعرج على أرضه سواقي ماء رقراق فوجدت في هذا القصر ما لذ وطاب مما تطرب له الأذن وتشتهيه النفس فنشأت فيه نشأة عز ودلال.
وأحضر الخليفة المستكفي لابنته المدللة أمهر الأدباء ولاشك في أنها أتقنت اللغة العربية وعلومها من نحو وصرف وبلاغة وألمت بعروض الشعر وحفظت شيئاً من الشعر الجاهلي والإسلامي والعباسي والأندلسي.
وقرأت القرآن الكريم وحفظت منه ما استطاعت واطلعت على علوم عصرها وأتقنت لهجة أمها الإسبانية وهكذا نجد أن ولادة أحاطت بثقافة عصرها هذه الثقافة التي أنضجت شخصيتها وضاعفت من ثقتها بنفسها.
فكانت تناظر في مجلسها كبار المثقفين والكتاب والمفكرين والشعراء فتتغلب عليهم وكانت فاتنة الأندلس بجمالها وورثت من أسرتها ثروة من العقارات و الدور والقصور والمباني ساعدتها أن تعيش برفاه وترف و إباء.
كما ساعدتها على أن تنفق على مجلسها ما يحتاج إليه وفي بلاط هذا القصر الجميل في قرطبة كان مجلس ولادة الذي يحتشد فيه الناس أجناساً شتى من عرب وبربر وإسبان وغيرهم.
وكان يسيطر على مجلسها الرجال الذي لم يخل من النساء وكانت بعض النساء أو أغلبهن سافرات يتردد على مجلسها الأمراء والوزراء والقادة والعلماء والشعراء والأدباء والمغنون والمضحكون متزينين بأجمل حللهم والأسهم متعطرين بأفخر أنواع العطور وبدأ يتنافس في حبها العاشقون وكان أشدهم تنافساً عليها وزيرين اثنين يترددان إلى مجلسها هما ابن زيدون وابن عبدوس.
علاقة ولادة بابن زيدون
الوزير الأول والأديب الشاعر ابن زيدون كان قد أسهم في الفتنة التي عصفت بالدولة الأموية وأيد بني جهور الذين أطاحوا العرش الأموي وأقاموا دولتهم في قرطبة على أنقاضه.
وتقرب إلى مؤسسها أبي الحزم بن جهور فعينه وزيراً ولاقى شخصه قبولاً عند ولادة فأعجبت به وأحبته ونشأت بينهما علاقة عاطفية لكن قصة الحب بينهما التي شاعت في حياتهما لم تستمر طويلاً وانطفأت ربما لأكثر من سبب .
علاقة ولادة بالوزير ابن عبدوس
والوزير الثاني الذي نافس ابن زيدون في حب ولادة هو أبو عامر ابن عبدوس وكان قد استطاع أن يظفر برضى ولادة عنه ويفوز بميلها إليه حينا ولكنها ما لبثت أن أعرضت عنه وسخرت منه.
أخيراً يبدو أن اعتداد ولادة بنفسها واعتزازها بعلو مكانتها جعلاها تعتقد منذ البداية أنها فتاة متميزة عن الآخريات وامرأة تختلف عن سائر نساء عصرها وأنها أحق بالصدارة دوناً عن جميع نساء بلاد الأندلس.